ووجه آخر: وهو أن نمرود بن كنعان (1) لما قال لإبراهيم عليه السلام:
إنك تزعم أن ربك يحيي الموتى، وأنه قد قال: أرسلك إلي لتدعوني إلى عبادته، فاسأله أن يحيي لنا ميتا إن كان على ذلك قادرا، فإن لم يفعل قتلتك. قال إبراهيم (ع): (رب أرني كيف تحيي الموتى) فيكون معنى قوله: (ولكن ليطمئن قلبي) على هذا الوجه، أي لآمن من القتل ويطمئن قلبي بزوال الروع والخوف. وهذا الوجه الذي ذكرناه وإن لم يكن مرويا على هذا الوجه فهو مجوز، وإن أجاز صلح أن يكون وجها في تأويل الآية مستأنفا متابعا.
ووجه آخر: وهو أنه يجوز أن يكون إبراهيم إنما سأل إحياء الموتى لقومه ليزول شكهم في ذلك وشبهتهم. ويجري مجرى سؤال موسى (ع) الرؤية لقومه، ليصدر منه تعالى الجواب على وجه يزيل منه شبهتهم في جواز الرؤية عليه تعالى. ويكون قوله ليطمئن قلبي على هذا الوجه، معناه أن نفسي تسكن إلى زوال شكهم وشبهتهم، أو ليطمئن قلبي إلى إجابتك إياي فيما أسألك فيه. وكل هذا جائز، وليس في الظاهر ما يمنع منه، لأن قوله:
(ولكن ليطمئن قلبي) ما تعلق في ظاهر الآية بأمر لا يسوغ العدول عنه مع التمسك بالظاهر، وما تعلقت هذه الطمأنينة به غير مصرح بذكره، قلنا إن تعلقه بكل أمر يجوز أن يتعلق به.
فإن قيل: فما معنى قوله تعالى أولم تؤمن؟ وهذا اللفظ استقبال.
وعندكم أنه كان مؤمنا فيما مضى. قلنا معنى ذلك أو لم تكن قد آمنت؟
والعرب تأتي بهذا اللفظ، وإن كان في ظاهره الاستقبال، وتريد به الماضي.
فيقول أحدهم لصاحبه: أولم تعاهدني على كذا وكذا، وتعاقدني على أن لا تفعل كذا وكذا؟ وإنما يريد الماضي دون المستقبل.
مخ ۵۱