تنزیه انبیا
تنزيه الأنبياء
سبق إلى قلبك وإن كنا صادقين وقد يفعل مثل المخادع للماكر إذا أراد أن يوقع في قلب من يخبره بالشيء صدقه لأن القتل من أقطع مصائب الدنيا فيقول أنا أعلم أنك لا تصدقني في كذا وكذا وإن كنت صادقا وهذا بين مسألة فإن قال قائل فلم أسرف يعقوب (ع) في الحزن والتهالك وترك التماسك حتى ابيضت عيناه من البكاء والحزن ومن شأن الأنبياء (ع) التجلد والتصبر وتحمل الأثقال ولو لا هذه الحال ما عظمت منازلهم وارتفعت درجاتهم الجواب قيل له إن يعقوب (ع) بلي وامتحن في ابنه بما لم يمتحن به أحد قبله لأن الله تعالى رزقه مثل يوسف (ع) أحسن الناس وأجملهم وأكملهم علما وفضلا وأدبا وعفافا ثم أصيب به من أعجب مصيبة وأطرفها لأنه لم يمرض بين يديه مرضا يئول إلى الموت فيسليه عنه تمريضه له ثم يأسه منه بالموت بل فقد فقدا لا يقطع معه على الهلاك فييأس منه ولا يجد أمارة على حياته وسلامته فيرجو ويطمع وكان متردد الفكر بين يائس وطمع وهذا أغلظ ما يكون على الإنسان وأذكى لقلبه وقد يرد على الإنسان من الحزن ما لا يملك رده ولا يقوى على دفعه ولهذا لم يكن أحدنا منهيا عن مجرد الحزن والبكاء وإنما نهي عن اللطم والنوح وأن يطلق لسانه بما يسخط ربه
وقد بكى نبينا (ص) على ابنه إبراهيم (ع) عند وفاته وقال العين تدمع والقلب يخشع ولا نقول ما يسخط الرب
وهو (ص) القدوة في جميع الآداب والفضائل على أن يعقوب (ع) إنما أبدى من حزنه يسيرا من كثير وكان ما يخفيه ويتصبر عليه ويغالبه أكثر وأوسع مما أظهره وبعد فإن التجلد على المصائب وكظم الغيظ والحزن من المندوب إليه وليس بواجب لازم وقد يعدل الأنبياء (ع) عن كثير من المندوبات الشاقة وإن كانوا يفعلون من ذلك الكثير مسألة فإن قال قائل كيف لم يتسل يعقوب (ع) ويخفف عنه الحزن ما تحققه من رؤيا ابنه يوسف ع
مخ ۴۵