تنزیه انبیا
تنزيه الأنبياء
قد جوز كثير من الناس على الأنبياء (ع) الكبائر مع أنهم لم ينفروا عن قبول قولهم والعمل بما شرعوه من الشرائع وهذا ينقض قولكم إن الكبائر منفرة قلنا هذا سؤال من لم يفهم ما أوردناه لأنا لم نرد بالتنفير ارتفاع التصديق وأن لا يقع امتثال الأمر جملة وإنما أردنا ما فسرناه من أن سكون النفس إلى قبول قول من يجوز ذلك عليه لا يكون على حد سكونها إلى من لا يجوز ذلك عليه وإنا مع تجويز الكبائر نكون أبعد من قبول القول كما أنا مع الأمان من الكبائر نكون أقرب إلى القبول وقد يقرب من الشيء ما لا يحصل الشيء عنده كما يبعد عنه ما لا يرتفع عنده ألا ترى أن عبوس الداعي للناس إلى طعامه وتضجره وتبرمه منفر في العادة عن حضور دعوته وتناول طعامه وقد يقع مع ما ذكرناه الحضور والتناول ولا يخرجه من أن يكون منفرا وكذلك طلاقة وجهه واستبشاره وتبسمه يقرب من حضور دعوته وتناول طعامه وقد يرتفع الحضور مع ما ذكرناه ولا يخرجه من أن يكون مقربا فدل على أن المعتبر في باب المنفر والمقرب ما ذكرناه دون وقوع الفعل المنفر عنه أو ارتفاعه فإن قيل فهذا يقتضي أن الكبائر لا تقع منهم في حال النبوة فمن أين أنها لا تقع منهم قبل النبوة وقد زال حكمها بالنبوة المسقطة للعقاب والذم ولم يبق وجه يقتضي التنفير قلنا الطريقة في الأمرين واحدة لأنا نعلم أن من يجوز عليه الكفر والكبائر في حال من الأحوال وإن تاب منهما وخرج من استحقاق العقاب به لا نسكن إلى قبول قوله كسكوننا إلى من لا يجوز ذلك عليه في حال من الأحوال ولا على وجه من الوجوه ولهذا لا يكون حال الواعظ الداعي إلى الله تعالى ونحن نعرفه مقارفا للكبائر مرتكبا لعظيم الذنوب وإن كان قد فارق جميع ذلك وتاب منه عندنا وفي نفوسنا كحال من لم نعهد منه إلا النزاهة والطهارة ومعلوم ضرورة الفرق بين هذين الرجلين فيما يقتضي السكون والنفور ولهذا كثيرا
مخ ۵