أمرت فلانا بأن لا يلقى الأمير، وإنما يريد أنه نهاه عن لقائه، ويقول نهيتك عن هجر زيد وإنما معناه أمرتك بمواصلته، فإن قيل ألا جعلتم النهي منقسما إلى منهي قبيح ومنهي غير قبيح، بل يكون تركه أفضل من فعله، كما جعلتم الأمر منقسما إلى واجب وغير واجب.
قلنا الفرق بين الأمرين ظاهر، لأن انقسام المأمور به في الشاهد إلى واجب وغير واجب غير مدفوع، ولا خاف، وليس يمكن أحد أن يدفع أن في الأفعال الحسنة التي يستحق بها المدح والثواب ما له صفة الوجوب، وفيها ما لا يكون كذلك. فإذا كان الواجب مشاركا للندب في تناول الإرادة له واستحقاق الثواب والمدح به، فليس يفارقه إلا بكراهة الترك. لأن الواجب تركه مكروه والنفل ليس كذلك. فلو جعلنا الكراهة تتعلق بالقبيح وغير القبيح من الحكيم تعالى، وكذلك النهي. كما جعلنا الأمر منه يتعلق بالواجب وغير الواجب، لارتفع الفرق بين الواجب والندب مع ثبوت الفصل بينهما في العقول، فإن قيل: فما معنى حكايته تعالى عنهما قولهما: (ربنا ظلمنا أنفسنا) وقوله تعالى: (فتكونا من الظالمين).
قلنا: معناه أنا نقصنا أنفسنا وبخسناها ما كنا نستحقه من الثواب بفعل ما أريد منا من الطاعة، وحرمناها الفايدة الجليلة من التعظيم من ذلك الثواب، وإن لم يكن مستحقا قبل أن يفعل الطاعة التي يستحق بها، فهو في حكم المستحق، فيجوز أن يوصف بذلك من فوت نفسه بأنه ظالم لها، كما يوصف من فوت نفسه المنافع المستحقة. وهذا معنى قوله تعالى: (فتكونا من الظالمين).
فإن قيل فإذا لم تقع من آدم عليه السلام على قولكم معصية، فلم أخرج من الجنة على سبيل العقوبة وسلب لباسه على هذا الوجه؟ ولولا أن الاخراج من الجنة وسلب اللباس على سبيل الجزاء على الذنب، كما قال الله
مخ ۲۷