وأن ذكر التكفل والعزة في الخطاب كلامهما وما أخبر به تعالى عن قول قائل فليس هو في الإلزام كالذي يخبر به عن نفسه وحكمه فمن أخبر تعالى أنه ظلم وغلب وبغى في المشروعات فهو ظالم غالب باغ شرعا ومن أخبر تعالى أنه قال ظلمت وبغيت أو قال ظلم زيد وغلب وبغى فقد يخبر عن حقيقة شرعية وعن مجازية عادية كما تقدم في مثال السيد والعبد
وقد ثبت أن هذه الأقوال التي وقعت بين داوود عليه السلام وبين خصمه من المجازية العادية وإذا كان ذلك لم يثبت بها حكم شرعي وإذا لم يثبت حكم لم تثبت طاعة ولا معصية
قال تعالى {وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}
هذا الظن منه يحتمل أن يكون علما ويحتمل أن يكون ظنا على معنى الظن الذي هو التردد في الشك مع الميل إلى أحد الطرفين
فإن كان بمعنى العلم فهو أنه لما علم أن الخصمين ملكان وأنه المقصود بالمثال وأنه فتن أي اختبر وامتحن ببعض المباحات فعوتب إذ لم يصبر فيها صبر المؤثرين حتى قال ما قال وفعل ما فعل فخر راكعا يعني ساجدا فإن الركوع والسجود يسمى كل واحد منهما باسم الثاني {وأناب} أي تاب من ذلك ظاهرا وباطنا فأخبر تعالى أنه غفر له ذلك أي درأ عنه الطلب فيما رأى هو أنه ذنب في حقه فترك الأولى كما تقدم
وإن كان حكمه على حكم الظن فيكون أنه غلب ظنه على أن الذي وقع منه فتنة يتعلق فيها طلب إذ لله تعالى في صريح العقل أن يطلب ما شاء ويترك ما شاء فأخبر تعالى أنه لا طلب عليه في ذلك
مخ ۳۶