وسنضرب مثلا في هذا ، في صبيين يلعبان معا صغيرين أحدهما أبوه عالم قد شهر بالعلم والفضل ، ولا يدري ولده به أنه كذلك لجهله ، والولد الآخر أعمى العينين أبوه جاهل سفيه نذل لئيم ذو مال كثير ، فتغاضبا ، وذكرا في مغاضبتهما أبواهما ، فقال ابن العالم إن أبي أفضل من أبيك لا عن فهم به أنه كذلك ، بل على سبيل المغاضبة والتكبر عليه ، فيزداد ابن الجاهل غضبا بذلك ، حيث فضل أباه على أبيه ، ويرد عليه كلامه ، فيقول إن أبي خير من أبيك ، وربما زاد في ذمه ، وإن كان أقوى منه فربما يبطش به .
فإذا كبرا وبلغا الحلم ، وطلبا التقوى ، وسمع ابن الجاهل بالعالم وفضله في العلم[6/أ] والعمل ، عرف الحق بعد السماع به بمشاهدة عقله إنه كما قال ابن العالم ، بنور ليس نور الشمس مع من ينظر إليه أنور منه ، ويرى ابن العالم أن الحق ما قاله في حال صباه ، ولكن كان ذلك منه بالتوفيق لإصابة الحق ، وبعد ذلك بمشاهدة العقل فاتفق نظر من وفق للحق ونظر من خالف الحق حين تم [10/ب]عقل كل منهما .
ولم يكن نور الحق من الدين هكذا صفته، فإن في أهل كل مذهب من مذاهب الإسلام - الثلاث والسبعين - أهل عقول شديدة النفوذ ، وأهل شدة علم في الشريعة ، وأهل شدة تفكر فيها في معرفة الحق منها ، ولم يكن كل من تم عقله واشتد نفوذه أو بلغ مبلغا عظيما في العلم الشرعي طالبا لله به (¬1) رضاه من جميع أهل مذاهب [9/ج] الإسلام ، اتفق نظرهم على أن الحق هو هذا الذي هو الحق من دين الله تعالى على الصحيح من غير اختلاف بينهم في ذلك ، ويعرف خطأ مذهبه فيما ضل فيه هو ومن كان قبله من أهل ذلك المذهب ، بل لم نر قليلا من العلماء اتفق نظرهم إليه ،دع علماء جميع أهل المذاهب .
¬__________
(¬1) في ب ربه.
مخ ۴۰