التصديق ، وهو العلم بالله وصفاته مع جميع الطاعات الواجبات منها والنوافل ، واجتناب الزلات والمعاصي ، ويجوز أن يقال : الإيمان هو الدين والشريعة والملة ، لأن الدين هو ما يدان به من الطاعات مع اجتناب المحظورات والمحرمات ، وذلك هو صفة الإيمان . وأما الإسلام فهو من جملة الإيمان ، وكل إيمان إسلام وليس كل إسلام إيمانا ، لأن الإسلام هو بمعنى الاستسلام والانقياد ، فكل مؤمن مستسلم منقاد لله تعالى ، وليس كل مسلم مؤمنا بالله ، لأنه قد يسلم مخافة السيف ، فالإيمان اسم يتناول مسميات كثيرة أقوالا وأفعالا ، فيعم جميع الطاعات ، والإسلام عبارة عن الشهادتين مع طمأنينة القلب والعبادات الخمس كذا قاله سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني : ( قال النبي صلى الله عليه وسلم : الإيمان معرفة ) وفي رواية لابن ماجه أيضا يدل ذلك عقد ( بالقلب وقول باللسان ) وهو النطق بالشهادتين كما قاله القسطلاني ( وعمل بالأركان ) والمراد أن الأعمال شرط في كمال الإيمان ، وأن الإقرار اللساني يعرب عن التصديق النفساني كذا قاله العزيزي نقلا عن ابن حجر رواه ابن ماجه والطبراني عن علي ، وهو حديث ضعيف . ( وقال صلى الله عليه وسلم : الإيمان عريان ولباسه التقوى ) وهي تنزيه القلب عن الذنوب ( وزينته الحياء ) أي من الله تعالى في إتيان نهيه ( وثمرته العلم ) أي من العمل ( وقال صلى الله عليه وسلم : لا إيمان لمن لا أمانة له ) أي فإن المؤمن من أمنه الخلق على أنفسهم وأموالهم ، فمن خان وجار فليس بمؤمن . | وأراد صلى الله عليه وسلم نفي الكمال لا الحقيقة رواه أحمد وابن حبان عن أنس . ( وقال صلى الله عليه وسلم : لا يؤمن أحدكم ) إيمانا كاملا ( حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس قال إبراهيم الشبرخيتي : ووقع في رواية الإسماعيلي حتى يحب لأخيه المسلم ما يحبه لنفسه من الخير ، والظاهر أن التعبير بالأخ المسلم جرى على الغالب ، لأنه ينبغي لكل مسلم أن يحب للكافر الإسلام ، وما يتفرع عليه من الكمالات وقال النووي في شرح الأربعين وابن العماد : الأول أن يحمل ذلك على عموم الإخوة حتى يشمل الكافر والمسلم ، فيحب لأخيه الكافر ما يحب لنفسه من دخوله في الإسلام ، كما يحب لأخيه المسلم دوامه على الإسلام ، ولهذا كان الدعاء بالهداية للكافر مستحبا ( وقال صلى الله عليه وسلم : الإيمان في صدر المؤمن ، ولا يتم الإيمان إلا بتمام الفرائض والسنن ) أي بأدائهما تأمين ( ولا يفسد الإيمان إلا بجحود الفرائض والسنن ) أي بإنكارهما ( فمن نقص فريضة ) أي واحدة ( بغير جحود ) أي إنكار بفرضيتها ( عوقب عليها ) أي على ترك تلك الفريضة ، أما إذا ترك فريضة مع إنكار وجوبها فقد كفر ( ومن أتم الفرائض ) بأن أداها تامة ( وجبت له الجنة ) ثم إذا أتم السنن فقد زاد في مرتبته في الجنة والله أعلم . ( وقال صلى الله عليه وسلم : الإيمان لا يزيد ولا ينقص ولكن له حد ، أي تعريف بذكر أفراد فروع الإيمان ، فإن نقص في حده ) أي فإن نقص الإيمان فالنقص في حده لا في نفس الإيمان ( وأصله ) أي أصل حد الإيمان ( شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ) والشهادة إخبار الشخص بحق على غيره بلفظ خاص . وأركانها خمسة : شاهد ومشهود له ومشهود عليه ومشهود به ، وصيغة ، فالشاهد هو المسلم ، والمشهود له هو الله سبحانه وتعالى وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، والمشهود عليه هو المشرك بالله والمنكر لرسالة سيدنا محمد ، والمشهود به ثبوت الألوهية والوحدانية لله سبحانه وتعالى ، وثبوت الرسالة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، والصيغة هي لفظ أشهد أو ترجمته لا غير . ( وإقام الصلاة ) أي الإتيان بها بأركانها وشروطها ( وإيتاء الزكاة ) أي إعطاؤها إلى أهلها بإخراج جزء من المال على وجه مخصوص ( وصوم رمضان ) أي إمساك طاهر من الحيض والنفاس عن شهوة الفم والفرج ، وما يقوم مقامهما كالأنف واللمس المؤدي للفطر في جميع نهار رمضان بنية قبل الفجر ( والحج ) لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من لم تحبسه حاجة ، أي من مرض وظالم ، ولم يحج وله جمع ، أي مال ، فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا ) ( وغسل الجنابة فمن زاد في حده ) أي الإيمان ( زادت حسناته ومن نقص فيه ففيه ) أي من نقص في حد الإيمان ، فالنقص في حده قال السيوطي في النقابة : والمؤمن الكامل في إيمانه من كملت فيه شعب الإيمان ، ومن نقصت واحدة منها نقص في إيمانه بحسبها ، وقد أجمع السلف على أن الإيمان يزيد وينقص ، وزيادته بالطاعات ونقصانه بالمعاصي ، وشعب الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون ، كما رواه الشيخان . أو ست وسبعون أو سبع وسبعون كما في الحديث الذي رواه أبو عوانة ، أو أربع وستون كما رواه الترمذي . وقال سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني : ونعتقد أن الإيمان قول باللسان ، ومعرفة بالجنان ، وعمل بالأركان يزيد بالطاعة ، وينقص بالعصيان ، ويقوى بالعلم ويضعف بالجهل ، وبالتوفيق يقع كما روي عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي الدرداء أنهم قالوا : الإيمان يزيد وينقص ، وزيادة الإيمان إنما تكون بعد التحقق بأداء الأوامر وانتهاء النواهي ، وبالتسليم في القدر وترك الاعتراض على الله عز وجل في فعله في جميع خلقه ، وترك الشك في وعده في الرزق وبالتوكل عليه والخروج من الحول والقوة والصبر على البلاء والشكر على النعماء والتنزيه للحق ، وترك التهمة له في سائر الأحوال ، وأما بمجرد الصلاة والصيام ، فلا يزيد الإيمان انتهى . | وقال الغزالي والعمل ليس من أجزاء الإيمان وأركان وجوده ، بل هو مزيد عليه يزيد به ، والزائد موجود والناقص موجود والشيء لا يزيد بذاته ، فلا يجوز أن يقال الإنسان يزيد برأسه ، بل يقال : يزيد بلحيته وسمنه ، ولا يجوز أن يقال الصلاة تزيد بالركوع والسجود ، بل تزيد بالآداب والسنن ، فهذا تصريح بأن الإيمان له وجود ، ثم بعد الوجود يختلف حاله بالزيادة والنقصان ( وقال صلى الله عليه وسلم : الإيمان نصفان فنصف في الصبر ) أي عن المحارم ( ونصف في الشكر ) أي العمل بالطاعات رواه البيهقي عن أنس . ( وقال صلى الله عليه وسلم الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن ) رواه البخاري وأبو داود والحاكم عن أبي هريرة ، والإمام أحمد عن الزبير وعن معاوية أي الإيمان يمنع من الفتك الذي هو القتل بعد الأمان غدرا . قوله لا يفتك مؤمن خبر بمعنى النهي ، أي لا يفتك كامل الإيمان والفتك أن يأتي الرجل صاحبه ، وهو غافل فيشد عليه فيقتله وأما الغيلة فهو أن يخدعه ثم يقتله في موضع خفي ( وقال صلى الله عليه وسلم : خلق الله الإيمان وحقه ) أي زينه ( ومدحه بالسماحة والحياء وخلق الله الكفر وذمه بالبخل والجفاء ) أي العقوق ( وقال صلى الله عليه وسلم : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، أمر الله تعالى بأن يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ) أي زيادة على أصل التوحيد كما قاله القسطلاني . وفي حديث البخاري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، ثم يقول الله تعالى أي للملائكة أخرجوا ، أي من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ، أي زيادة على أصل التوحيد ، فيخرجون منها قد اسودوا ، فيلقون في نهر الحيا بالقصر أي المطر أو الحياة بالمثناة آخره ، وهو النهر الذي من غمس فيه حيي ، فينبتون كما تنبت الحبة بكسر الحاء ، أي البقلة الحمقاء في جانب السيل ) . |
1 ( الباب السادس في فضيلة الوضوء ) 1
روي عن الضحاك عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى
مخ ۱۷