ولا فسادا والعاقبة للمتقين } [ القصص : 38 ] والتواضع إظهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه . وقيل : هو تعظيم من فوقه لفضله . وقيل : هو الاستسلام للحق وترك الاعتراض على الحكم من الحاكم . وقيل : هو أن تخضع للحق وتنقاد له وتقبله ممن قاله صغيرا أو كبيرا شريفا أو ضعيفا حرا أو عبدا ذكرا أو غيره نظرا للقول لا للقائل ، فهو إنما يتواضع للحق وينقاد له . وقيل : هو أن لا يرى لنفسه مقاما ولا حالا يفضل بهما غيره ، ولا يرى أن في الخلق من هو شر منه كذا في السراج المنير للعزيزي ( قال النبي : من تواضع لله ) أي لأجل عظمة الله ( رفعه الله ) أي في الدنيا والآخرة ( ومن تكبر وضعه الله ) رواه ابن منده وأبو نعيم . وفي رواية لأبي نعيم من تواضع لله رفعه الله ، فهو في نفسه ضعيف ، وفي أنفس الناس عظيم ، ومن تكبر وضعه الله فهو في أعين الناس صغير ، وفي نفسه كبير حتى لهو أهون عليهم من كلب أو خنزير ، وعن أبي سلمة المدني عن أبيه عن جده قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا بقباء ، وكان صائما فأتيناه عند إفطاره بقدح من لبن وجعلنا فيه شيئا من عسل ، فلما رفعه وذاقه وجد حلاوة العسل فقال : ما هذا ؟ قلنا : يا رسول الله جعلنا فيه شيئا من عسل فوضعه وقال : أما أني لا أحرمه ومن تواضع لله رفعه الله ، ومن تكبر وضعه الله ومن اقتصد أغناه الله ومن بذر أفقره الله ، ومن أكثر ذكر الله أحبه الله كذا في الإحياء ( وقال صلى الله عليه وسلم : ما من آدمي إلا وفي رأسه سلسلتان : سلسلة في السماء السابعة وسلسلة في الأرض السابعة ، فإذا تواضع رفعه الله بالسلسلة إلى السماء السابعة وإذا تجبر ) أي تكبر ( وضعه الله بالسلسلة إلى الأرض السابعة ) رواه الخرائطي والحسن بن سفيان وابن لال والديلمي ، وفي رواية للطبراني عن ابن عباس وللبزار عن أبي هريرة بإسناد حسن ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك ، فإذا تواضع قيل للملك ارفع حكمته ، وإذا تكبر قيل للملك ضع حكمته ، فقوله ما من آدمي من زائدة قوله إلا في نسخة إلا وفي ، أي بالواو التي للحال قوله حكمة بفتح الحاء والكاف ، وهي حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس وحنكه تمنعه من مخالفة راكبه ، ولما كانت الحكمة تأخذ بفم الدابة ، وكان الحنك متصلا بالرأس جعلها تمنع من هي في رأسه كما تمنع الحكمة الدابة قوله بيد ملك ، أي موكل بالآدمي قوله فإذا تواضع ، أي للحق والخلق قوله قيل للملك ، أي من قبل الله قوله ارفع حكمته ، أي قدره ومنزلته قوله ، وإذا تكبر قيل للملك ضع حكمته كناية عن إذلاله ، فإن من صفة الذليل أن ينكس رأسه ، فثمرة التكبر في الدنيا الذلة بين الخلق ، وفي الآخرة دخول النار . ( وقال صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتم المتواضعين ) وفي الإحياء بعد ذلك من أمتي ( فتواضعوا لهم وإذا رأيتم المتكبرين فتكبروا عليهم ) وفي الإحياء بعد ذلك ، فإن ذلك مذلة لهم وصغار قال ابن حجر : هذا حديث غريب ، وهو ما انفرد راويه بروايته ( وقال صلى الله عليه وسلم : تواضعوا مع المتواضعين ، فإن التواضع مع المتواضعين صدقة وتكبروا مع المتكبرين ، فإن التكبر مع المتكبرين صدقة ، وقال عليه الصلاة والسلام ته ) بكسر فسكون ( على التياه ) أي تكبر على المتكبر ( فإن التيه ) أي التكبر ( على التياه ) أي المتكبر ( صدقة ) أي مثل صدقة ( وقال صلى الله عليه وسلم : رأس التواضع أن يبتدىء بالسلام على من لقيه من المسلمين في المجالس . وقال صلى الله عليه وسلم : التواضع معاند الشرف ) وخرج معاوية على ابن الزبير وابن عامر فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير فقال معاوية لابن عامر : اجلس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من أحب أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار ) وقيل التواضع سلم الشرف ( وقال صلى الله عليه وسلم : الكرم التقوى والشرف التواضع ) أراد صلى الله عليه وسلم بذلك أن الناس متساوون ، وأن أحسابهم إنما هي بأفعالهم لا بأنسابهم ، كذا نقله العزيزي عن المناوي ( واليقين الغنى ) أي لأن من تيقن أن له رزقا قدر له لا يتخطاه استغنى عن الجد في الطلب رواه ابن أبي الدنيا عن يحيى بن أبي كثير وهو حديث ضعيف ( وقال صلى الله عليه وسلم : كل ذي نعمة محسود صاحبها إلا التواضع . وقال صلى الله عليه وسلم : التواضع من أخلاق الأنبياء والتكبر من أخلاق الكفار والفراعنة ) أي العتاة ( وقال صلى الله عليه وسلم : من تكبر على الفقراء لعنه الله ومن تكبر على العلماء أخزاه الله ) وفي الإحياء قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوما : ( ما لي لا أرى عليكم حلاوة العبادة ) ؟ قالوا : وما حلاوة العيادة ؟ قال : ( التواضع ) اه . وقال ابن حجر هذا حديث غريب . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل العبادة التواضع ) كذا في المستطرف لكن قال ابن حجر في الزواجر هذا قول عائشة رضي الله عنها اه . |
1 ( الباب الثالث والثلاثون في فضيلة السكوت ) 1
اعلم أن الإنسان إما أن يتكلم أو يسكت ، فإن تكلم فإما بخير فهو ربح أو
مخ ۶۴