صُلْب العسا بالضرب قد دمّاها
لم يرد أنه يضربها حتى تدمى، وإنما أراد أنه جَلْد، وأن عصاه صلبة كجلادته، وانه يتبع بها رعي الضَّرب - وهو ضرب من النبت - حتى عادت مدماة في ألوانها، قال الشاعر - يصف إبلًا حسنت أحوالها على الرَّعي:
وعادّ مُدَمّاها كُميتًا وشبّهت ... فروج الكلى منها الوجاد المُهدّما
ومثل هذا قول الراجز:
كأنّها والشَّول كالشِّنانِ ... تميسُ في حُلّة أُرجوانِ
وقال العجّاج في صلابة عصا الراعي:
يُلحن من أصوات حادٍ شيظمِ ... صلب عصاه للمطي مِنهمِ
ليس يُماني عُقبة التّجشّمِ
المماناة: المطاولة، ويقال: " ما نيتُكَ منذ اليوم " أي انتظرتك. وهذا الرجز وإن كان وصف حاد يًا، فكذلك حال الراعي.
التنبيهات على ما في كتاب النبات
وإنما قدمناه على ما تقدم قبله لنفاسته، ولأنه لم يصنف قبله ولا بعده في معناه ما يدانيه، فضلا عما يساويه.
ومصنفه أبو حنيفة أحمد بن داود الدِّينوري ﵀ وروايته عن أبي نصر وأبي حاتم ومن كان في عصريهما ولم يلق الرَّياشي.
١ - قال أبو حنيفة في تفسير قول قيس بن عيزارة الهذلي:
له هَجَلاتٌ سهلةٌ ونِجادةٌ ... دكادك لا تُؤيى بهنَّ المراتعُ
وواحد الهجلات: هجْل، وواحد الدكادك: دَكداك. وهذا غلط. لم تأت فَعَلات جمع فَعْل، وإنما تأتي جمع فَعْلة. والهَجَلات جمع هَجَلة، مثل تمرة وتمرات، وضربة وضربات، وقربة وقربات.
فأما الهَجْل فجمعه هُجُول مثل: خمر وخمور، وزَرْب وزروب، قال ذو الرمة:
إذا الشَّخصُ فيها هزَّهُ الآل أغْمَضَتْ ... عليهِ كإغماضِ المُغَضّي هُجُولُها
وقال أبو حنيفة: ومن بواطن الأرض الكرام المِطلاء، وهو مطمئنٌّ من الأرض منبات مِحلال، قال الراعي:
فنُورثكم أنَّ التُراثَ إليكمُ ... حبيبُ قراراتِ الحجى فالمطاليا
وقال هِميان السعدي يصف إبلًا: والرِّمث بالصريمة الكُنافجا ورُغُل المطلى به لواهجا فقصرالمطلى.
وليس الأمر كما ذكر. المِطلاء: يُقصر ويُمدّ، والقصر فيه أكثر، وليس هميان وحده قصره. أكثر الرواة على قصره، وقد قال حُميد بن ثور:
تجوب الدُّجى كُدْريّة دون فرخها ... بمطلي أريكٍ سبسبٌ وسُهوبُ
وقال أبو زياد - وقد ذكر دار أبي بكر بن كلاب - ومما يسمى من بلادهم تسمية فيها حظها من المياه والجبال المطالي وواحدها المِطلى وهي أرض واسعة، وأنشد:
أللبرق بالمِطلى تَهُبُّ وتبرقُ ... ودونك نِيق من ذقانين أعنقُ
٣ - وقال أبو حنيفة: قال الفراء: النَّواشغ مجاري الماء في الأودية الواحدة: ناشغة، قال الشاعر:
ولا مُتداركٌ والشمسُ طفلٌ ... ببعضِ نواشغِ الوادي حُمولا
وهذا الشعر للمرار، والرواية:
ولا متلاقيا والشمس طفل
فإن تقل: متلاقيًا إلى متدارك فالنصب.
٤ - وقال أبو حنيفة، قال الأصمعي: سألت. رجلا عن المَرت فقال: " هي التي لا يجف ثراها، ولا ينبت مرعاها ".
وليست المرت بهذه الصفة، ولا هكذا أيضًاالرواية عن الأصمعي، رُوي عنه عن يونس أنه قال: سألت بعض العرب عن السَّبْخة فوصفها لي، ثم ظن أني لم أفهم، فقال: التي لا يجف ثراها ولا ينبت مرعاها. وهذه من صفة الأرض السَّبخة على الحقيقة، وأما المرت: فالتي لا شيء فيها من نبت، ولا ماء، ولا ندىً، ولا ظل وجمعها مُروت.
وقد وصفها أبو حنيفة بمثل وصفنا قبل أن حكى هذه الحكاية، وأنشد:
وقَحَّمَ سيرُنا من ظهر نجدٍ ... مَروتَ الرَّعْيِ ضاحيةَ الظِّلالِ
قال: ثم وصفها بان لا مرعى ولا ظل. قال - وعن الأعراب -: المرت التي لا كلأ بها - وإن مُطرت - وهذه الصفة على الحقيقة صفتها، وذلك لصلابة أرضها، فأما الذي حكاه بعد هذا عن الأصمعي فسهو منه، أو ممن نقله إليه.
٥ - وقال أبو حنيفة: وروى النضر، الصَّردحة: الصحراء التي لا تنبت، وهي غَلْظ من الأرض مستوٍ.
وهذا غير محفوظ عنهم إنما يقولون: غِلَظ وغَلْظ مثل: قِمَع وقِمْع، وضِلَع وضْلْع، وأما غَلْظ فلا أعرفه. والنضر غير موثوق به.
1 / 19