والفقهاء.
وهذا الأثر الجديد يكشف لنا وجهًا من تفنُّن شيخ الإسلام في العلوم وإحاطته العجيبة بها، وبراعته النادرة فيها، وهذا الفن الذي كتب فيه الشيخ وهو «الجدل على طريقة المتكلمين» فنٌّ نادر، لم يتعرَّض أحد لنقده وشرحه قبل الشيخ ــ فيما نعلم ــ.
حقًّا إن الناظر لأول وهلة ليظن أن هذا الفن هو فن الشيخ الذي برز فيه واعتنى به وانقطع له. لكنَّ هذا الظن سرعان ما يزول إذا علم الناظر مقدارَ توسُّعه في الفنون الأخرى، وأنه بغير هذا الفن أشهر، وكتبه في غيره أكثر وأكبر، واسمع الآن لما يقوله خَصم الشيخ وقرينه كمالُ الدين ابن الزملكاني: «كان إذا سُئل عن فن من العلم ظنَّ الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أنَّ أحدًا لا يعرفه مثله، وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك» (^١).
فما هي إذًا إلا مِنَحٌ وفضائل يمنحها الله تعالى مَن يشاء مِن عباده، والله ذو الفضل العظيم.
وقد قدمنا بين يدي تحقيقه مباحث (^٢):
أولًا: تمهيد في الجدل، ومناهج التأليف فيه، وأهم كتبه.
_________
(^١) «العقود» (ص ١٣).
(^٢) المبحث الثاني (التعريف بكتاب «التنبيه») كَتَبه محمد عزير شمس، وبقية المباحث كتبها عليُّ بن محمد العمران.
المقدمة / 29