تمهید لتاریخ فلسفه اسلامی
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
ژانرونه
17
ويؤخذ من ذلك أن ما وسم به العرب علماءهم من صفات الحكمة والحكم كانت تعبر عن معان متقاربة من العلم والفقه، بما يفيد صلاحا للناس في أبدانهم ويحقق معنى العدل والنظام بينهم، ويمنع الخصام.
قال الآلوسي في «بلوغ الأرب»: «حكام العرب في الجاهلية: الحاكم منفذ الحكم كالحكم محركة، جمعه حكام، وحكام العرب علماؤهم الذين كانوا يحكمون بينهم إذا تشاجروا في الفضل والمجد، وعلو الحسب والنسب، وغير ذلك من الأمور التي كانت تقع بينهم، وكان لكل قبيلة من قبائلهم حكم يتحاكمون إليه، وهم كثيرون لا يسعهم الحصر.»
18
ولعلنا إذا استعرضنا باختصار تاريخ جماعة من حكماء العرب الذين يقول فيهم أبو الفتح محمد الشهرستاني المتوفى 548ه/1153م في «كتاب الملل والنحل»: «ومنهم - أي من الفلاسفة - حكماء العرب، وهم شرذمة قليلة؛ لأن أكثرهم حكمهم فلتات الطبع وخطرات الفكر، وربما قالوا بالنبوات.» استطعنا أن نتبين مجال معارفهم ومذاهب تفكيرهم، وقد ذكر الجاحظ المتوفى 255ه/896م في كتاب «البيان والتبيين» أسماء جماعة من هؤلاء الحكماء فقال: «ومن القدماء ممن كان يذكر بالقدر والرياسة والبيان والخطابة والحكمة والدهاء والنكراء:
19
لقمان بن عاد، ولقيم بن لقمان، ومجاشع بن دارم، وسليط بن كعب بن يربوع، سموه بذلك لسلاطة لسانه، وقال جرير: إن سليطا كاسمه سليط، ولؤي بن غالب، وقس بن ساعدة، وقصي بن كلاب، ومن الخطباء البلغاء والحكام الرؤساء أكثم بن صيفي، وربيعة بن حذار، وهرم بن قطبة، وعامر بن الظرب، ولبيد بن ربيعة.»
ومن هؤلاء الحكماء الحارث بن كلدة الثقفي، وقد ترجم له ابن أبي أصيبعة المصري المتوفى 668ه/1269م في كتابه «عيون الأنباء في طبقات الأطباء»، وذكره الوزير جمال الدين القفطي المتوفى سنة 646ه/1948م في كتابه «إخبار العلماء بأخبار الحكماء». كان الحارث من الطائف وسافر البلاد وتعلم الطب بفارس وتمرن هناك، وكان يضرب العود، تعلم ذلك بفارس أيضا، وعاش إلى زمن معاوية، ومن حكمه المأثورة: دافع بالدواء ما وجدت مدفعا، ولا تشربه إلا من ضرورة؛ فإنه لا يصلح شيئا إلا أفسد مثله.
وروي أنه لما احتضر اجتمع الناس إليه فقالوا: مرنا بأمر ننتهي إليه بعدك، فقال: لا تتزوجوا من النساء إلا شابة، ولا تأكلوا الفاكهة إلا في أوان نضجها، ولا يتعالجن أحدكم ما احتمل بدنه الداء، وعليكم بالنورة
20
ناپیژندل شوی مخ