تمهید لتاریخ فلسفه اسلامی
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
ژانرونه
33
أنهم رأوا النفس لها شهوة وغضب بقوتها العملية، ولها تصور وعلم بقوتها العلمية، فقالوا كمال الشهوة في العفة، وكمال الغضب في الحلم والشجاعة، وكمال القوة النظرية بالعلم، والتوسط في جميع ذلك بين طرفي الإفراط والتفريط هو العدل.
هذا غاية ما عند القوم من المقصود بالعبادات والشرائع، وهو عندهم غاية كمال النفس، وهو استكمال قوتيها العلمية والعملية، فاستكمال قوتها العلمية عندهم بانطباع صورة المعلومات في النفس، واستكمال قوتها العملية بالعدل، وهذا مع أنه غاية ما عندهم من العلم والعمل، وليس فيه بيان خاصية النفس التي لا كمال لها بدونه البتة، وهو الذي خلقت له، وأريد منها، بل ما عرفه القوم؛ لأنه لم يكن عندهم من معرفة متعلقه إلا نزر يسير غير مجد ولا محصل للمقصود، وذلك معرفة الله بأسمائه وصفاته، ومعرفة ما ينبغي لجلاله، وما يتعالى ويتقدس عنه، ومعرفة أمره ودينه، والتمييز بين مواقع رضاه وسخطه، واستفراغ الوسع في التقرب إليه، وامتلاء القلب بمحبته، بحيث يكون سلطان حبه قاهرا لكل محبة، وألا سعادة للعبد في دنياه ولا أخراه إلا بذلك، ولا كمال للروح بدون ذلك البتة ...
فليس في حكمتهم العلمية إيمان بالله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا لقائه، وليس في حكمتهم العملية عبادته وحده لا شريك له، واتباع مرضاته واجتناب مساخطه، ومعلوم أن النفس لا سعادة لها ولا فلاح إلا بذلك.
فليس من حكمتهم العلمية والعملية ما تسعد به النفوس وتفوز؛ ولهذا لم يكونوا داخلين في الأمم السعداء في الآخرة، وهم الأمم الأربعة المذكورون في قوله تعالى:
إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (البقرة، آية 62) ...
الطريق الثاني:
طريق من يقول من المعتزلة ومن تابعهم: إن الله - سبحانه - عرضهم بها للثواب، واستأجرهم بتلك الأعمال للخير، فعاوضهم عليها معاوضة، قالوا: والإنعام منه في الآخرة بدون الأعمال، غير حسن؛ لما فيه من تكرير منة العطاء ابتداء، ولما فيه من الإخلال بالمدح والثناء والتعظيم الذي لا يستحق إلا بالتكليف، ومنهم من يقول: إن الواجبات الشرعية لطف في الواجبات العقلية، ومنهم من يقول: إن الغاية المقصودة التي يحصل بها الثواب هي العمل، والعلم وسيلة إليه، حتى ربما قالوا ذلك في معرفة الله تعالى، وأنها إنما وجبت لأنها لطف في أداء الواجبات العملية، وهذه الأقوال تصور العاقل اللبيب لها حق التصور كاف في جزمه ببطلانها، رافع عنه مئونة الرد عليها، والوجوه الدالة على بطلانها أكثر من أن تذكر ها هنا.
الطريق الثالث:
طريق الجبرية ومن وافقهم، أن الله - سبحانه - امتحن عباده بذلك وكلفهم، لا لحكمة ولا لغاية مطلوبة له، ولا بسبب من الأسباب؛ فلا لام تعليل ولا باء سبب، إن هو إلا محض المشيئة وصرف الإرادة، كما قالوا في الخلق سواء، وهؤلاء قابلوا من قبلهم من القدرية والمعتزلة أعظم مقابلة، فهما طرفا نقيض لا يلتقيان.
ناپیژندل شوی مخ