تمهید لتاریخ فلسفه اسلامی
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
ژانرونه
هو العلوم الحكمية الفلسفية، وهي التي يمكن أن يقف عليها الإنسان بطبيعة فكره، ويهتدي بمداركه البشرية إلى موضوعاتها ومسائلها وأنحاء براهينها ووجوه تعليمها، حتى يقفه نظره وبحثه على الصواب من الخطأ فيها من حيث هو إنسان ذو فكر.
والثاني:
العلوم النقلية الوضعية، وهي كلها مستندة إلى الخبر عن الواضع الشرعي، ولا مجال للعقل فيها إلا في إلحاق الفروع من مسائلها بالأصول.
11
ويظهر أن هذا الفيلسوف الاجتماعي لا يرى رأي القائلين بأن في طبيعة العرب ما يصدهم عن الفلسفة ويضعف استعدادهم لها؛ إذ هو لا يقسم البشر أجناسا لكل جنس طبيعة لازمة، على نحو ما يميل إليه صاعد والشهرستاني فيما يؤخذ من كلامهما، بل هو يرد صفات الشعوب الحسية والمعنوية إلى عوامل طارئة من الهواء، واختلاف أحوال العمران، فهو يبين في «مقدمته» أثر الموقع الجغرافي وتأثير الهواء في ألوان البشر والكثير من أحوالهم، ويذكر اختلاف أحوال العمران في الخصب والجدب، وما ينشأ عن ذلك من الآثار في أبدان البشر وأخلاقهم.
وقد عقد في المقدمة فصلا للكلام على أن حملة العلم في الإسلام أكثرهم العجم، حلل فيه الأسباب التي يرى أنها صرفت العرب عن العناية بالعلم والفلسفة في جاهليتهم وإسلامهم، وهي أسباب خارجة عن طبيعتهم الجنسية.
قال في هذا الفصل: «من الغريب الواقع أن حملة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم، لا من العلوم الشرعية ولا من العلوم العقلية، إلا في القليل النادر، وإن كان منهم العربي في نسبته فهو عجمي في لغته ومرباه ومشيخته، مع أن الملة عربية وصاحب شريعتها عربي، والسبب في ذلك أن الملة في أولها لم يكن فيها علم ولا صناعة؛ لمقتضى أحوال السذاجة والبداوة، والقوم يومئذ عرب لم يعرفوا أمر التعليم والتأليف والتدوين.»
وبعد أن ذكر نشأة العلوم الشرعية وغيرها قال: «فصارت هذه الع لوم كلها علوما ذات ملكات محتاجة إلى التعليم، فاندرجت في جملة الصنائع، وقد كنا قدمنا أن الصنائع من منتحل الحضر، وأن العرب أبعد الناس عنها، فصارت العلوم لذلك حضرية وبعد عنها العرب، وأما العرب الذين أدركوا هذه الحضارة وسوقها وخرجوا إليها عن البداوة، فشغلتهم الرئاسة في الدولة العباسية وما دفعوا إليه من القيام بالملك عن القيام بالعلم والنظر فيه، فإنهم أهل الدولة وأولو سياستها ... مع ما يلحقهم من الأنفة عن انتحال العلم حينئذ بما صار من جملة الصنائع، والرؤساء أبدا يستنكفون عن الصنائع والمهن وما يجر إليها، وأما العلوم العقلية أيضا فلم تظهر في الملة إلا بعد أن تميز حملة العلم ومؤلفوه، واستقر العلم كله صناعة، فاختصت بالعجم وتركها العرب وانصرفوا عن انتحالها، فلم يحملها إلا المعلمون من العجم شأن الصنائع، كما قلناه أولا.»
12
فابن خلدون لا يرى أن انصراف العرب عن الفلسفة إلا قليلا كان لقصور في طبيعتهم، لكنه كان بحكم البداوة البعيدة عن ممارسة الصناعات العلمية وغيرها، ثم بحكم اشتغالهم بالرياسة وتدبير الدولة والدفاع عنها، واستنكافهم عن معالجة الصناعات حتى العلمية منها التي تركوها للمرءوسين من الأعاجم.
ناپیژندل شوی مخ