207

تمهید لتاریخ فلسفه اسلامی

تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية

ژانرونه

الشافعي أول من وضع مصنفا في العلوم الدينية على منهج علمي

إذا كان الشافعي هو أول من وجه الدراسات الفقهية إلى ناحية علمية؛ فهو أيضا من وضع مصنفا في العلوم الدينية الإسلامية على منهج علمي بتصنيفه في أصول الفقه.

قال الرازي: «اتفق الناس على أن أول

204

من صنف في هذا العلم - أي أصول الفقه - الشافعي، وهو الذي رتب أبوابه، وميز بعض أقسامه من بعض، وشرح مراتبها في القوة والضعف.

وروي أن عبد الرحمن بن مهدي التمس من الشافعي وهو شاب أن يضع له كتابا يذكر فيه شرائط الاستدلال بالقرآن والسنة والإجماع والقياس، وبيان الناسخ والمنسوخ ومراتب العموم والخصوص فوضع الشافعي - رضي الله عنه - الرسالة وبعثها إليه؛ فلما قرأها عبد الرحمن بن مهدي قال: ما أظن أن الله - عز وجل - خلق مثل هذا الرجل.

205

الشافعي واضع علم الأصول

ثم قال الرازي: «واعلم أن نسبة الشافعي إلى علم الأصول كنسبة أرسططاليس إلى علم المنطق، وكنسبة الخليل بن أحمد إلى علم العروض، وذلك أن الناس كانوا قبل أرسططاليس يستدلون ويعترضون بمجرد طباعهم السليمة، لكن ما كان عندهم قانون مخلص في كيفية ترتيب الحدود والبراهين، فلا جرم كانت كلماتهم مشوشة ومضطربة، فإن مجرد الطبع إذا لم يستعن بالقانون الكلي قلما أفلح، فلما رأى أرسططاليس ذلك اعتزل عن الناس مدة مديدة، واستخرج لهم علم المنطق، ووضع للخلق بسببه قانونا كليا يرجع إليه في معرفة الحدود والبراهين.

وكذلك الشعراء كانوا قبل الخليل بن أحمد ينظمون أشعارا، وكان اعتمادهم على مجرد الطبع، فاستخرج الخليل علم العروض، وكان ذلك قانونا كليا في مصالح الشعر ومفاسده، فكذلك هنا؛ الناس كانوا قبل الإمام الشافعي يتكلمون في مسائل أصول الفقه ويستدلون ويعترضون، وكذلك ما كان لهم قانون كلي مرجوع إليه في معرفة دلائل الشريعة وفي كيفية معارضتها وترجيحها، فاستنبط الشافعي علم أصول الفقه، ووضع للخلق قانونا كليا يرجع إليه في معرفة مراتب أدلة الشرع.» ثم يقول الرازي: «واعلم أن الشافعي صنف كتاب «الرسالة» ببغداد، ولما رجع إلى مصر أعاد تصنيف كتاب «الرسالة». وفي كل واحد منهما علم كثير.»

ناپیژندل شوی مخ