198

تمهید لتاریخ فلسفه اسلامی

تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية

ژانرونه

ويظهر أنه لم يكن شديدا في جرح الرجال كعادة أهل الحديث، وقد نقل صاحب «طبقات الشافعية الكبرى» حكاية تدل على سخرية الشافعي من تزمت المزكين.

قال الشافعي - رضي الله عنه: «حضرت بمصر رجلا مزكيا يجرح رجلا فسئل عن سببه، وألح عليه فقال: رأيته يبول قائما. قيل: وما في ذلك؟ قال يرد الريح من رشاشه على بدنه وثيابه فيصلي فيه. قيل: هل رأيته أصابه الرشاش وصلى قبل أن يغسل ما أصابه؟ قال: لا، ولكن أراه سيفعل.»

180

وكان في العلماء المعاصرين للشافعي من لا يراه ممعنا في الحديث. عن أبي عبد الله الصاغاني يحدث عن يحيى بن أكثم قال: «كنا عند محمد بن الحسن في المناظرة، وكان الشافعي رجلا قرشي العقل والفهم، صافي الذهن سريع الإصابة، ولو كان أكثر سماع الحديث لاستغنت أمة محمد به عن غيره من العلماء.»

181

ولما ذهب الشافعي إلى العراق استرعى نظره تحامل أهل الرأي على أستاذه مالك وعلى مذهبه، وكان أهل الرأي أقوى سندا وأعظم جاها بما لهم من المكانة عند الخلفاء وبتوليهم شئون القضاء، ذلك إلى أنهم أوسع حيلة في الجدل من أهل الحديث وأنفذ بيانا، ويمثل حال الفريقين من هذه الناحية ما روي عن إمامي أهل الرأي وأهل الحديث: أبي حنيفة ومالك.

روى ابن عبد البر المالكي عن الطبري قال: «وكان مالك قد ضرب بالسياط، واختلف فيمن ضربه وفي السبب الذي ضرب فيه قال: حدثني العباس بن الوليد قال: خبرنا ذكوان عن مروان الطاطري أن أبا جعفر نهى مالكا عن الحديث: «ليس على مستكره طلاق»، ثم دس إليه من يسأله عنه، فحدث به على رءوس الناس.»

182

أما أبو حنيفة فينقل في شأنه الموفق المكي في كتاب «المناقب» عن معمر بن الحسن الهروي يقول: اجتمع أبو حنيفة ومحمد بن إسحاق المتوفى سنة 150ه/767م عند أبي جعفر المنصور، وكان جمع العلماء والفقهاء من أهل الكوفة والمدينة وسائر الأمصار لأمر حزبه، وبعث إلى أبي حنيفة فنقله على البريد إلى بغداد، فلم يخرجه من ذلك الأمر الذي وقع له إلا أبو حنيفة، فلما قضيت الحاجة على يديه حبسه عند نفسه ليرفع القضاة والحكام الأمور إليه، فيكون هو الذي ينفذ الأمور ويفصل الأحكام، وحبس محمد بن إسحاق ليجمع لابنه المهدي حروب النبي

صلى الله عليه وسلم

ناپیژندل شوی مخ