تمهید لتاریخ فلسفه اسلامی
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
ژانرونه
مستمدة سلطانها من الله، وسياستها «سياسة ملية». كان العباسيون يجعلون حقهم في الإمامة قائما على أنهم سلالة البيت النبوي، وكانوا كذلك يقولون إنهم سيشيدون على أطلال الحكومة الموسومة بالزندقة عند أهل التقى نظاما منطبقا على سنة النبي وأحكام الدين الإلهي، ويلاحظ أن المثل الأعلى للسياسة الفارسية، وهو الاتحاد الوثيق بين الدين والحكومة، كان برنامج الحكم العباسي، ولم تنته المحاولات الجزئية التي تناولت علوم التشريع في عهد الأمويين إلى طريقة عملية تجمع أبواب الفقه.
وبقيام الدولة الجديدة آن لنهضة التشريع الإسلامي أن تزهر بعدما نشأت ضعيفة متضائلة، وكما أريد جمع الأحكام الشرعية للحاجة إليها في ضبط أمور الدولة على منهاج شرعي، تقررت أصول أربعة لاستنباط الأحكام الشرعية الفقهية، وهي: القرآن، والسنة، والقياس، والإجماع. واعترف علماء الدين بها، وكان الاختلاف بينهم على حسب اختلافهم في كثرة الاعتماد على أصل من الأصول دون الآخر، وفي الاستناد إلى بعض الأحاديث المتضاربة دون بعض، ونشأ عما بين هذه النزعات من تباين مناهج مختلفة في أحكام الوقائع الجزئية. وفي بعض طرائق الاستنباط، وهم يسمونها «مذاهب» واحدها «مذهب»، بمعنى وجهة أو طريقة، ولا يريدون معنى البدعة بحال من الأحوال؛ ذلك بأن اختلاف المذاهب في الفقه قام على أساس من التسامح والتعاون على خدمة الدين، وإنما نجمت مظاهر الروح المذهبي وانساقت في سبيل التعصب منذ طغى سلطان الغرور من جانب الفقهاء.»
هذا الذي بيناه من أقوال جولدزيهر يكاد يجمع خلاصة ما توجهت إليه أبحاث المستشرقين في الموضوع الذي نحن بصدده، وجملته أن أصول الفقه تأثرت في تكوينها بعناصر أجنبية كما تأثر الفقه نفسه.
وأن القياس والإجماع إنما تقررا أصلين من أصول الاستنباط للأحكام الشرعية حينما تكون الفقه في عهد العباسيين، وإن كانت طلائع النزوع إليهما في زمن الأمويين.
وأن المذاهب الفقهية نشأت مع تكون الفقه واستقرار أصوله، وأساس الخلاف بينها كثرة الاعتماد على بعض الأصول دون بعض، والأخذ ببعض الأحاديث دون بعض. (2) منزع علماء الإسلام في الفقه وتاريخه (2-1) ابن خلدون
أما علماء الإسلام، فمنهم من يرون أنه على عهد النبي كانت الأحكام تتلقى منه بما يوحى إليه من القرآن ويبينه بفعله وقوله بخطاب شفاهي لا يحتاج إلى نقل ولا إلى نظر وقياس، ومن بعده - صلوات الله وسلامه عليه - تعذر الخطاب الشفاهي وانحفظ القرآن بالتواتر، وأجمع الصحابة على وجوب العمل بما يصل إلينا من السنة، قولا أو فعلا، بالنقل الصحيح الذي يغلب على الظن صدقه، وأجمع الصحابة على النكير على مخالفيهم مع شهادة الأدلة بعصمة الجماعة، فصار الإجماع دليلا ثابتا في الشرعيات، ثم إن كثيرا من الواقعات بعده
صلى الله عليه وسلم
لم تندرج في النصوص الثابتة، فقاسها الصحابة بما نص عليه، وصار ذلك دليلا شرعيا بإجماعهم عليه.
ذلك ما يقوله ابن خلدون المتوفى سنة 808ه/1406م في «المقدمة»: (الفصل التاسع في أصول الفقه).
وقد أشار ابن خلدون، في الفصل السابع في علم الفقه وما يتبعه من الفرائض، إلى أسباب الاختلاف بين علماء التشريع ونشوء المذاهب؛ إذ يقول: «الفقه معرفة أحكام الله - تعالى - في أفعال المكلفين بالوجوب والحظر والندب والكراهة والإباحة، وهي متلقاة من الكتاب والسنة وما نصبه الشارع لمعرفتها من الأدلة، فإذا استخرجت الأحكام من تلك الأدلة، قيل لها فقه، وكان السلف يستخرجونها من تلك الأدلة على اختلاف فيما بينهم، ولا بد من قوعه ضرورة أن الأدلة غالبها من النصوص وهي بلغة العرب. وفي اقتضاء ألفاظها لكثير من معانيها اختلاف بينهم معروف، وأيضا فالسنة مختلفة الطرق في الثبوت، وتتعارض في الأكثر أحكامها فتحتاج إلى الترجيح، وهو مختلف أيضا.
ناپیژندل شوی مخ