============================================================
الهيد شح معالم العدل والنوحيل المسلك الثاني مسلك الاستدلال، وهو الذي عول عليه أصحاب أبي هاشم، وحاصل كلام ابن متويه (1) أن كونه مدركا لو لم يجب عند وجود المدرك وسلامة الحواس لوجب زوال الثقة بالأمور المشاهدة وإلحاق البصراء بالعميان؛ لجواز أن يكون بحضرتنا أجسام عظيمة وأصوات هائلة ونحن لا ندركها، وهذا باطل، فما يؤدي إليه يكون أيضا باطلا.
واحتج الأشعرية لمذهبهم بأنا نرى الجسم الكبير من البعد صغيرا، فلا يخلو إما أن نكون رائين لجميع أجزاء ذلك الجسم أو لا نكون رائين لشيء من أجزائه أو نكون رائين لبعض أجزائه دون بعض، والأول يقتضي أنا نرى الشيء على كبره، وهو محال. والثاني يقتضي ألا نراه أصلا، وهو محال أيضا. والثالث يقتضي أنا نرى بعض أجزائه دون بعض، ومن المعلوم بالضرورة أن الشرائط المذكورة في رؤية المرئي كما هي حاصلة بالنسبة إلى الأجزاء المرئية - هو أبو محمد الحسن بن أحد بن متويه النجراني توفي عام (468ه ) أحد كبار شيوخ المعتزلة من المتأخرين، ويعتبره ابن المرتضى في الطبقة الثانية عشر من طبقات المعتزلة، وهو تلميذ قاضي القضاة عبد الجبار بن آحمد المتوفي سنة 415ه وذكر عنه ابن أبي الحديد أنه كان مخالفا لشيوخ المعتزلة في البصرة في تفضيله علي بن أبي طالب على أبي بكر الصديق وقد نص على ذلك في كتاب له يسمى"الكفاية". ومن الباحثين من يرجع نسبة كتاب "المجموع في المحيط بالتكليف" المنسوب للقاضى عبد الجبار إلى تلميذه ابن متويه؛ وذلك لأن ابن المرتضى يذكر له كتابا بعنوان "المحيط في أصول الدين1، والقاضي عبد الجبار نفسه يذكر أن لابن متويه كتابا بنفس العنوان. وهو صاحب كتاب "التذكرة في أحكام الجواهر والأعراض". ويتبين من كتاب التذكرة أن ابن متويه من المعتزلة القائلين بالجزء الذي لا يتجزأ ويذهب إلى آن الجسم ينتهى إلى حد لا تصلح فيه القسمة والتجزؤ من بعد، ويثبت الخلاء في العالم ويحصى الأعراض باثنين وعشرين عرضا، ويقول بشيئية المعدوم لقوله تعالى: (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا) فأطلق لفظ شيء على المعدوم قبل خروجه إلى الوجود. وقد تحدث عنه ابن الوزير فقال: وقد اختار ابن متويه والحاكم منهم وغيرهما أن الروح هو النفس الجاري، لأجل التلازم فوهموا وهما فاحشاء فإن الجنين في بطن أمه لا يتنفس بعد حياته ونفخ الروح فيه بالنص والحس، بل حيوان الماء لا يتنفس فيه، ولو سلم هم جواز دوام التلازم لم يكن حجة قاطعة على اتحاد النفس والروح، فليحذر الخوض في أمثال ذلك. انظر القاضي عبد الجبار: فرق وطبقات المعتزلة ص126، ابن الوزير: إيثار الحق ص284، أبو الوفا التفتازاني: معجم أعلام الفكر الانساني - ترجمة ابن متويه ص266.
مخ ۱۸۹