و[إن] ١استدَلَّ مُتَكَلم على من أَنكر عليه بعض حجاجه، ومسائله، بأنَه بدعة؛ لأنَّ السلف لم ينقَل عنهم نهيك عن هذا، فلابُدَّ أن تجيبه بأن السًلفَ ما احتاجوا إلى النَهي، ودَلَتِ النُّصُوصُ على النَّهْىِ، فالنَهْي حَسَنٌ.
وأيضًا فإذا كان الَفعل بدعة، والبدعة ضلالةٌ، فهذا تناقض.
فالفعل إن ثبت حُسْنُه بأدلَّةٍ شَرعيَّةٍ، فالنَّهْيُ عنه بِدعةٌ، وإن لم يَدَّل عليه الشرع فهو بدعة، والنَّهْي عنه سُنَة.
ورُبمًا كان فَصْلُ الخطاب، أنَّ بعض الفعل حَسَن، وبَعْضُه سيّئ، مثاله: النَظَر والمُنَاظَرَةُ، فالجدالُ بالحسنى حَسَنٌ، ومِنْه مَذْمُومٌ، قال الله تعالى: ﴿مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ٢، وقال تعالى يجمع الأمرين: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ ٣
فمن جادل في الحق بعد ما تبين فهو مَذْمُوم، سواء قصد نصر إمَامِه، أو هَوَاه، وجادل بلا علم.
ومنه قوله ﵇ في السُّنَنِ: "القُضاةُ ثلاثة: قاضيان في النَّارِ وقاضٍ في الجَنَّةِ، رَجُلٌ عَلِمَ الحق فقَضَى به فهو في الجنَّةِ، ورجلٌ قَضَى على جهلٍ فَهو في النارِ، ورَجُلٌ عَلِمَ الحَقَّ فقَضَى بخلافه، فهو في النَار" ٤
_________
١ ليست في الأصل والسياق يقتضي إثباتها.
٢ سورة غافرِ، آية: ٤.
٣ سورة آل عمران، آية: ٦٦.
٤ د. كتاب الأقضية، باب في القاضي يخطئ: ٤/٥ح ٣٥٧٣ من حديث ابن بريدة عن أبيه.
جه: كتاب الأحكام، باب الحاكم يجتهد: ٢/٧٧٦ح ٢٣١٥، من حديث ابن بريدة عن أبيه.
ت: كتاب الأحكام، باب ما جاء عن رسول الله ﷺ في القاضي: ٣/٦١٣ح ١٣٢٢، باختلاف في لفظه.
وصححه الشيخ محمد ناصرِ الدين الألباني في إرواء الغليل: ٨/٢٣٥ح ٢٦١٤.
1 / 116