خِطَابِ الشَّارِعِ فَالْأَوَّلُ لَا يَكُونُ مِنْ الْفِقْهِ، بَلْ هُوَ عِلْمُ الْأَخْلَاقِ وَالثَّانِي هُوَ الْفِقْهُ وَحَدُّ الْفِقْهِ يَكُونُ صَحِيحًا جَامِعًا مَانِعًا عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ.
وَأَمَّا عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ وَأَتْبَاعِهِ فَحُسْنُ كُلِّ فِعْلٍ وَقُبْحُهُ شَرْعِيٌّ فَيَكُونَانِ مِنْ الْفِقْهِ مَعَ أَنَّ حُسْنَ التَّوَاضُعِ وَالْجُودَ وَنَحْوَهُمَا وَقُبْحَ أَضْدَادِهِمَا لَا يُعَدَّانِ مِنْ الْفِقْهِ الْمُصْطَلَحِ عِنْدَ أَحَدٍ فَيَدْخُلُ فِي حَدِّ الْفِقْهِ الْمُصْطَلَحِ مَا لَيْسَ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ هَذَا تَعْرِيفًا صَحِيحًا لِلْفِقْهِ الْمُصْطَلَحِ عَلَى مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيِّ. (وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى حَدِّ الْفِقْهِ الْمُصْطَلَحِ (الَّتِي لَا يُعْلَمُ كَوْنُهَا مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً لِإِخْرَاجِ مِثْلِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَإِنَّهُمَا مِنْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَحْكَامِ بَعْضَهَا وَإِنْ قَلَّ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ ذُكِرَ فِي الْمَحْصُولِ لِيُخْرِجَ مِثْلَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَأَمْثَالِهِمَا إذْ لَوْ لَمْ يُخْرِجْ لَكَانَ الشَّخْصُ الْعَالِمُ بِوُجُوبِهِمَا فَقِيهًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ
ــ
[التلويح]
الْأَشَاعِرَةِ شَامِلٌ لِلْعِلْمِ عَنْ دَلِيلٍ بِحُسْنِ الْجُودِ وَالتَّوَاضُعِ أَيْ وُجُوبِهِمَا أَوْ نَدْبِهِمَا وَقُبْحِ الْبُخْلِ وَالتَّكَبُّرِ أَيْ حُرْمَتِهِمَا أَوْ كَرَاهَتِهِمَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَحْكَامٌ لَا تُدْرَكُ لَوْلَا خِطَابُ الشَّرْعِ عَلَى رَأْيِهِمْ مَعَ أَنَّ الْعِلْمَ بِهَا مِنْ عِلْمِ الْأَخْلَاقِ لَا مِنْ عِلْمِ الْفِقْهِ وَأَقُولُ إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ عَمَلِيَّةً بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ. كَيْفَ وَالْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ أَخْلَاقُ مَلَكَاتٍ نَفْسَانِيَّةٍ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْعِلْمَ بِحُسْنِهَا وَقُبْحِهَا مِنْ عِلْمِ الْأَخْلَاقِ وَقَدْ صَرَّحَ فِيمَا سَبَقَ بِأَنَّهُ يُزَادُ عَمَلًا عَلَى مَعْرِفَةِ النَّفْسِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا لِيَخْرُجَ عِلْمُ الْأَخْلَاقِ وَبِأَنَّ مَعْرِفَةَ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا مِنْ الْوِجْدَانِيَّاتِ أَيْ الْأَخْلَاقِ الْبَاطِنِيَّةِ وَالْمَلَكَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ عِلْمُ الْأَخْلَاقِ، وَمِنْ الْعَمَلِيَّاتِ عِلْمُ الْفِقْهِ فَكَأَنَّهُ نَسِيَ مَا ذَكَرَهُ ثَمَّةَ أَوْ ذَهِلَ عَنْ قَيْدِ الْعَمَلِيَّةِ هَاهُنَا.
قَوْلُهُ (وَلَا يُرَادُ عَلَيْهِ) الْمُصْطَلَحُ بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْأَحْكَامِ إنَّمَا يُسَمَّى فِقْهًا إذَا كَانَ حُصُولُهُ بِطَرِيقِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ حَتَّى أَنَّ الْعِلْمَ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا اشْتَهَرَ كَوْنُهُ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ بِحَيْثُ يَعْلَمُهُ الْمُتَدَيِّنُ وَغَيْرُهُ لَا يُعَدُّ مِنْ الْفِقْهِ اصْطِلَاحًا وَلِهَذَا يَذْكُرُونَ قَيْدَ الِاكْتِسَابِ وَالِاسْتِدْلَالِ فَالْإِمَامُ قَيَّدَ فِي الْمَحْصُولِ الْأَحْكَامَ بِاَلَّتِي لَا يُعْلَمُ كَوْنُهَا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَقَالَ هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْعِلْمِ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى فِقْهًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْفِقْهِ وَلَا يُعَدُّ مِنْهُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَيْدِ الْعَمَلِيَّةِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْتَرَزْ عَنْهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْعَالِمُ بِمُجَرَّدِ وُجُوبِهِمَا فَقِيهًا عَلَى مَا فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ فَاعْتَرَضَ بِمَنْعِ لُزُومِ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَقِيهَ مَنْ لَهُ الْفِقْهُ وَالْفِقْهُ لَيْسَ عِلْمًا بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَإِنْ قَلَّ حَتَّى يَكُونَ الْعَالِمُ بِمَسْأَلَةٍ أَوْ مَسْأَلَتَيْنِ فَقِيهًا، بَلْ الْعَالِمُ بِمِائَةِ مَسْأَلَةٍ غَرِيبَةٍ اسْتِدْلَالِيَّةٍ وَحْدَهَا لَا يُسَمَّى فَقِيهًا، ثُمَّ إذَا كَانَ اصْطِلَاحُهُمْ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِهَا عَنْ تَعْرِيفِهِمْ الْفِقْهَ فَلَا يَكُونُ الْقَيْدُ الْمُخْرِجُ لَهَا ضَائِعًا وَلَا الْقَوْلُ بِكَوْنِهَا مِنْ الْفِقْهِ صَحِيحًا عِنْدَهُمْ وَلَا الِاصْطِلَاحُ عَلَى ذَلِكَ صَالِحًا لِلِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمْ.
قَوْلُهُ (ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُرَادُ بِالْأَحْكَامِ) اعْتِرَاضٌ عَلَى تَعْرِيفِ الْفِقْهِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْكَامِ إمَّا الْكُلُّ أَيْ
1 / 27