(فَالْحُكْمُ عَلَى هَذَا إسْنَادُ أَمْرٍ إلَى آخَرَ وَالْفُقَهَاءُ يُطْلِقُونَهُ عَلَى مَا ثَبَتَ بِالْخِطَابِ كَالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ مَجَازًا) بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ (كَالْخَلْقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ) لَكِنْ لَمَّا شَاعَ فِيهِ صَارَ مَنْقُولًا اصْطِلَاحِيًّا، وَهُوَ حَقِيقَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ (يَرُدُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى تَعْرِيفِ الْحُكْمِ، وَهُوَ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ (إنَّ الْحُكْمَ الْمُصْطَلَحَ بَيْنَ) الْفُقَهَاءِ (مَا ثَبَتَ بِالْخِطَابِ لَا هُوَ) أَيْ لَا الْخِطَابُ فَلَا يَكُونُ مَا ذُكِرَ تَعْرِيفًا لِلْحُكْمِ الْمُصْطَلَحِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالتَّعْرِيفِ هُنَا (وَأَيْضًا يَخْرُجُ مِنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ) كَجَوَازِ بَيْعِهِ وَصِحَّةِ إسْلَامِهِ وَصَلَاتِهِ وَكَوْنِهَا مَنْدُوبَةً وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَلِّقٍ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ مَعَ أَنَّهُ حُكْمٌ، فَإِنْ قِيلَ هُوَ حُكْمٌ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ بِفِعْلِ
ــ
[التلويح]
الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى فَتَوَهَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ لِلْحُكْمِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَلِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عِنْدَ الْبَعْضِ وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ فِي أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ قَالَ الْمُصَنِّفُ إذَا كَانَ تَعْرِيفًا لِلْحُكْمِ فَمَعْنَى الشَّرْعِيِّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْعِ لِيَكُونَ قَيْدًا مُفِيدًا مُخْرِجًا لِوُجُوبِ الْإِيمَانِ وَنَحْوِهِ وَإِذَا كَانَ تَعْرِيفًا لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَمَعْنَى الشَّرْعِيِّ مَا وَرَدَ بِهِ خِطَابُ الشَّرْعِ لَا مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْعِ وَإِلَّا لَكَانَ الْحَدُّ أَعَمَّ مِنْ الْمَحْدُودِ لِتَنَاوُلِهِ مِثْلَ وُجُوبِ الْإِيمَانِ مَعَ أَنَّ الْمَحْدُودَ لَا يَتَنَاوَلُهُ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَى الشَّرْعِ.
قَوْلُهُ (فَالْحُكْمُ عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ خِطَابُ اللَّهِ إلَخْ تَعْرِيفًا لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إسْنَادُ أَمْرٍ إلَى آخَرَ لَا خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَإِلَّا لَكَانَ ذِكْرُ الشَّرْعِيَّةِ مُكَرَّرًا لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الشَّرْعَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مَا وَرَدَ بِهِ خِطَابُ الشَّرْعِ لَا مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْعِ، فَإِنْ قِيلَ فَيَدْخُلُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِثْلُ وُجُوبِ الْإِيمَانِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ قُلْنَا يَخْرُجُ بِقَيْدِ الْعَمَلِيَّةِ.
قَوْلُهُ (وَالْفُقَهَاءُ) يُرِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ حَقِيقَةٌ فِيمَا ثَبَتَ بِالْخِطَابِ مِنْ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَهُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ حَيْثُ أَطْلَقَ الْمَصْدَرَ أَعْنِي الْحُكْمَ عَلَى الْمَفْعُولِ أَعْنِي الْمَحْكُومَ بِهِ.
قَوْلُهُ (يَرُدُّ عَلَيْهِ) إشَارَةٌ إلَى اعْتِرَاضَاتٍ عَلَى تَعْرِيفِ الْحُكْمِ مَعَ الْجَوَابِ عَنْ الْبَعْضِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْرِيفُ الْحُكْمِ الْمُصْطَلَحُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ مَا ثَبَتَ بِالْخِطَابِ كَالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا هُوَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ لَا نَفْسِ الْخِطَابِ الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا مِمَّا أُورِدَ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ كَمَا أُرِيدَ بِالْحُكْمِ مَا حُكِمَ بِهِ أُرِيدَ بِالْخِطَابِ مَا خُوطِبَ بِهِ لِلْقَرِينَةِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ لَيْسَ نَفْسَ كَلَامِ اللَّهِ الثَّانِي أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْإِيجَابُ وَالتَّحْرِيمُ وَنَحْوَهُمَا وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ تَسَامُحٌ الثَّالِثُ، وَهُوَ لِلْعَلَّامَةِ الْمُحَقِّقِ عَضُدِ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ أَنَّ الْحُكْمَ نَفْسُ خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْإِيجَابُ هُوَ نَفْسُ قَوْلِهِ افْعَلْ وَلَيْسَ لِلْفِعْلِ مِنْهُ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ فَإِنَّ الْقَوْلَ لَيْسَ لِمُتَعَلَّقِهِ مِنْهُ صِفَةٌ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَعْدُومِ، وَهُوَ إذَا نُسِبَ إلَى الْحَاكِمِ يُسَمَّى إيجَابًا وَإِذَا نُسِبَ إلَى مَا فِيهِ الْحُكْمُ
1 / 24