واذا كان هذا ظاهرا من امر النوم، فواجب فى كل ما له يقظة من الحيوان ان يكون له نوم، لان الضعف يدخل على الحيوان ضرورة، الا انه ليس لازما ذلك للحيوان على نحو واحد ووتيرة واحدة. وذلك ان من الحيوان ما له خمس الحواس؛ وهذا يوجد له النوم واليقظة على التمام، ويوجد له الفرح والحزن والشهوة على التمام ايضا، اذ قد توجد له الحاسة التامة المشتركة. ومنها ما يوجد له اربع حواس فقط وثلاث حواس، وهذا انما يوجد له النوم، لكن ليس فى جميع القوى الخمس، اذ كان لا يوجد له السهر فيها. وليس يلحق شك فى ان النوم التام والفرح والسرور انما يوجد للحس المشترك التام، وهو للحيوان الذى يوجد له خمس حواس، من قبل انا نجد كثيرا ممن فقد بعض هذه الحواس ينام، مثل الاعمى والاصم والاخشم، فان هذا الفقد هو عرضى لا طبيعى. وايضا فهاؤلاء لم يفقدوا الحاس المشترك ، وانما فقدوا الآلات التى بها يشرف الحس المشترك على المحسوسات. ورسم قوم النوم بانه الذى يحدث عن ضعف القوى الحسية. وليس كل نوم يحدث عن ضعف القوى الحسية، فانه قد يحدث عن اعمال الفكر والنظر فى شىء ما فيغوص الحس المشترك لمعونة الفكر، لا لانه لحقه ضعف، بل نفعله مع سائر القوى فى ذلك الوقت اقوى منه حين اليقظة. والدليل على ان القوى الحسية تنقبض عندالنوم، ان المرء اذا عسر عليه المعنى وفكر فيه، عرض له النوم. وقد يبلغ هذا المعنى ببعض الناس ان يعرض لهم شبيه بالموت، اعنى تضعف قواهم الخارجة المكان انصراف القوى الداخلة الروحانية، وادراكها الامور الشريفة واطلاعها على الامور الروحانية الموجودة فى العالم كالملائكة وغير ذلك وهاؤلاء هم الذين يقال انه عرج بارواحهم.
مخ ۵۸