فان اعتاص احضارذلك الشىء على المرء، فانما ذلك لموضع ضعف واختلال لحق احدى هذه القوى فاختل سائر هاؤلاء لاختلال تلك الواحدة وهذا الاختلال الذى يعرض لبعض هذه القوى من بعض، انما يعرض اكثر للاعلى من الاسفل. مثال ذلك ان المصور يالم ويختل باختلال الحس ويتدنس بتدنسه، ولا يالم الحس بالم المصور. وكذلك القوة المميزة تالم بالم المصور، ولا يالم المصور بالمها. والقوة الذاكرة تالم بالم المميز، ولا يالم المميز بالمها. وانما كان ذلك كذلك لان الروحانى يالم بالم الجسمانى ولا يالم الجسمانى بالم الروحانى، وكذلك الاكثر روحانية منها يالم بالم الاقل روحانية، ولا يالم الاقل روحانيه بالم الاكثر روحانيه. وليس يعرض عن اجتماع هذه القوى وتعاونها احضار الشىء الذى قد احس ونسى فقط، بل وقد يحضر فى بعض الاناسى عند اجتماعها صور الاشياء المحسوسة من غير ان يحسها بعد، وانما نقلت اليها صفاتها فقط. كما حكى ارسطو على بعض القدماء انه كان يصور اشياء نقلت اليه بالسماع من غير ان يكون شاهدها. فاذا امتحنت تلك الصور، وجدت على نحو ما شوهدت عليه. وبهذه الجهة يمكن يتصور الفيل من لم يحسه قط، وهذا انما يعرض للمرء عند اتحاد هذه القوى الثلاث. واتحادها انما هو من قبل النفس الناطقة، اعنى، من قبل طاعتها لها، كما ان افتراقها انما يكون من قبل النفس البهيمية. واتحادها عسير صعب على المرء لكونه من قبل النطق، وراحة النفس البهيمية انما هى فى افتراقها. ولذلك انما يعرض هذا الاتحاد للذين يجهدون افكارهم فى الخلوات، ويقطعون عن انفسهم الشواغل التى تشغل الحواس، فيعود الحس المشترك فيهم الى معونة هذه القوى. ولذلك قد تتحد هذه القوى فى النوم فتطلع على عجائب العالم، وفى الاحوال الشبيهة بالنوم، مثل الاغما الذى يعرض للذين يقال انه عرج بارواحهم. وقد يتفق، كما يقول ارسطو الا تحتاج هذه القوى بعضها الى معونة بعض فى احضار ما لها ان تحضر بل تحضر كل ما لها ان تحضر دون معونة صاحبتها، وقد لا يتفق لها ان تحضر الشىء الا بمعونة بعضها بعضا.
مخ ۴۶