فتكون هاهنا الصورة ثلاث مراتب: المرتبة الاولى جسمانية؛ ثم تليها المرتبة التى فى الحس المشترك، وهى روحانية؛ ثم الثالثة وهى التى فى القوة المتخيلة وهى اكثر روحانية. ولكونها اكثر روحانية من التى فى الحس المشترك، لا تحتاج القوة المتخيلة فى احضارها الى حضور المحسوس خارجا، بخلاف الامر فى قوة الحس. والمصور انما ينظر الى تلك الصورة وينزع معناها ومثالها بعد سكون شديد وتامل كثير. ومثال مراتب هذه الصورة فى هذه القوى وتنقلها من مرتبة الى مرتبة الطف منها، كما يقول ارسطو، مثل انسان اخذ مرآة ذات وجهين فنظر فى احد وجهها [sic] ، وصير الوجه الثانى منها مما يلى الماء، وكانت المرآة دقيقة شفافة صافية. فانه يعرض لهذا الناظر ان تنطبع اولا صورته فى المرآة، ثم تنطبع من المرآة فى الماء. وان نظر احد الى الوجه الثانى من المرآة، اعنى الوجه الذى يلى الماء رأى تلك الصورة بعينها قد انطبعت مرة ثالثة من الماء فى المراة. فصورة الانسان الناظر هو مثال المحسوس، والمرآة مثال الهواء المتوسط، والماء مثل العين، ومثال انطباعها فى الوجه الثانى من المرآة القوة الحساسة، ومثال الانسان المدرك لها مثل القوة المتخيلة. فاذا لم ينظر الناظر فى هذه المرآة، اضمحلت الصورة منها، واضمحلت من الماء، ويبقى الناظر فى الوجه الثانى من المرآة يتوهم الصورة. وهذا هو شان القوة المتخيلة مع الصورة التى فى الحس المشترك، فانه اذا غاب المحسوس، غابت صورته عن الحس المشترك وبقيت القوة المتخيلة تتوهمه.
فقد بان من هذا ان رسم الصورة انما يرأها الحس المشترك بتوسط العين، والعين بتوسط الهواء، ويرأها فى الرطوبة المائية التى فى العين بتوسط البردية، بين الماء الذى فى العين والهواء الذى من خارج. والرطوبة المائية هى التى يسميها جالينوس بالزجاجية. فقد تبين من هذا كيف يكون الابصار بالمتوسط.
مخ ۳۲