وارسطو يبطل قول من يقول ان القوة المبصرة تمتد من العين حتى تصل الى الشىء المنظور بحجج. منها انه كان يجب بحسب هذا الرأى ان ينظر المرء الاشياء فى الظلمة كما ينظراليها فى الضوء. فان من يقول بامتداد الاشعة لا يحتاج البصر عنده الى متوسط ولا الى الضوء. ومنها انه لو كانت قوة النفس، اعنى الحس المشترك، هو الذى يمتد الى الاشياء حتى يحسها، لم يحتاج الى الشباك التى فى العين، اعنى الطبقات، ولما كان يجب ان يدخل على هذه القوة فساد اذا تعطلت منها شبكة ومنها انه لو كانت النفس تمتد حتى تلقى المحسوس، لكان ادراكها لجميع المبصرات واحدا الغاية منها والقريبة. وبالجملة من يقول بالاشعة الخارجة من العين فلا بد له من احد امرين. اما ان يضع ان هذه الاشعة اجسام، وإما ان يضعها اشعة نورية غير اجسام. فان وضعها اجساما، لزمه ان يكون ابصار الاشياء فى زمان وبخاصة اذا بعد المبصر، فانه قد تبين ان كل متحر فى زمان يتحرك. وايضا تصور جسم يخرج من الحدقة ثم ينتشر حتى ينطبق على نصف الكرة، مستحيل. وايضا فان النفس المبصرة يجب ان تكون مرتبة فى هذا الجسم، وليس فى الحيوان جسم هو موضوع للنفس الا الحرارة الغريزية ولو فارقت العين مقدار فتر، لتبردت وذهبت. واما ان كان الخارج من العين ضوءا لا جسما، فلسنا نقدر ان نقول ان النفس مرتبة فى ذلك الضوء، فان موضوع النفس جوهر لا عرض. واذا لم تكون النفس موضوعة فى ذلك الضوء، وكانت انما هى موضوعة داخل العين. فعلى اى جهة تدرك المحسوسات، وهى غير مماسة لها فان كل فعل وانفعال انما يكون بمماسة، وتحريك الواسطة للمتحرك الاخير بمماسة. ولا بد ضرورة من ان يعرض لآلة هذه القوة مع محسوسها ان يكون احدهما محركا والاخر متحركا. فان فرضنا ان الخارج من العين انما هو ضوء لا جسم، لم نجد بدا من ان نقول بالمتوسط، والا لم تصل ضرورة حركة المحسوس الى الحس، ولم يكن ضرورة فرق بين هذا القول وبين قولنا ان الرؤية انما تتم بمتوسط وضوء، الا ان الضوء عندنا ليس من نفس العين بل من خارج. وهذا شىء لا يقولونه، ولو قالوه، للزمهم ان يبصر فى الظلام. وانما غلطهم انهم رأوا هذا روح الذى يكون به الابصار مناسبا للشىء، فاعتقدوا فيه انه ضوء مع انهم كانوا يعتقدون فى الضوء انه جسم. واما جالينوس فقد بلغ من غلطه فى هذا المعنى انه ظن ان الهواء حساس.
مخ ۲۹