ينتقي أبي من ورقه واحدة. يلصقها بالدبش قائلا: دو. يضع الكونستابل ورقة. يضطر أبي للسحب من كبشة الأوراق. يروي قصة «أبو شبت» الذي رأيناه في الكنيف. يقول «كريم» إنه يتسلل إلى أماكن الجسم الدافئة خاصة بين الفخذين أو أسفل الركبة. يكمن بها حتى يشعر بالحرارة. عندئذ يلدغ ويقتل. يقول أبي إنه نوع من العناكب وغير مؤذ. يضيف: الشقة لازم تتبيض.
يقول الشاب: أو الواحد يدور على مكان تاني. - رجلي على رجلك. إنما فين؟ كنا فاكرين السكن حيرخص بعد ما الإنجليز خرجوا من «القاهرة». لكن الدنيا بقت نار. - سمعت حضرتك عن شقق الأوقاف؟ - أيوه. الوزارة حددت إيجار الأوضة الواحدة فيها بخمسة جنيه. يعني الشقة توصل لعشرين أو تلاتين جنيه في الشهر. يعمل إيه الموظف اللي مرتبه بين 10 و15 جنيه؟ - جهار يك. أنا حاكلم الحاج «عبد الرازق». - مين ده؟ - تاجر كبير في وكالة البلح. بيبني عمارة في آخر شارع «النزهة».
يحكي أنه في الأصل بائع متجول للزجاج. وقبل الحرب تعاقد مع شركة أدوية على أن يورد لها عشرة آلاف زجاجة فارغة. الواحدة بمليمين. كان سيكسب في الصفقة كلها عشرة جنيه. وفجأة قامت الحرب وفسخت الشركة الاتفاق. اضطر للعمل في معسكرات الجيش الإنجليزي. وبعد الحرب ارتفعت الأسعار ووصل ثمن الزجاجة الفارغة إلى 4 قروش. فباع كل ما عنده لمصنع بيرة ب 400 جنيه وأصبح لديه رأسمال.
يقول أبي: يرزق من يشاء بغير حساب.
يهز الكونستابل رأسه. يقول إن الحظ له عمايل. وإنه يعرف واحدا اشترى مخلفات معسكر بريطاني ب 100 ألف جنيه. ووجد فيها كمية براميل ضخمة من الصلب. وعندما فتحها وجدها محشوة بإطارات السيارات. باعها بخمسين ألف جنيه.
أسعل بشدة. يقوم أبي إلى باب البلكونة ليواربه كي تتخلص الغرفة من دخان السجائر. يقول «كريم» إن الناس تؤلف الآن جمعيات من عدة أفراد يدفع الواحد منهم مبلغا كل شهر ويقبض أنصبة الآخرين. يلزم أبي الصمت ولا يعلق.
يخلط الكونستابل أوراق الدومينو ويضعها على الوسادة: إذا كان عندك فائض من كوبونات السكر والكيروسين 18 لتر أشتريهم. يصيح بي مدرس الحساب: مد إيديك. أبسط يدي الباردتين وراحتيهما إلى أسفل. يرفع المسطرة في الهواء. يديرها ليهبط بسنها على ظهر يدي. أقول إني أحضرت كوبونات الكيروسين. يبعد المسطرة.
ضجة في الحارة. يتعالى صراخ أكثر من شخص. يتلاشى بعد قليل. يقول الكونستابل: ده الراجل اللي متجوز اتنين.
يستفسر أبي عن سكان البلكونة المقابلة. يقول الكونستابل إنه طالب في الطب مع أختيه، وإنهما تقفان طول الوقت في البلكونة في انتظار العدل. - والبنات اللي في أول الشارع؟ - دول ولاد «صبري» أفندي الموظف في وزارة الحقانية. أكبرهم اسمها «سهام». طول الوقت واقفة في الشباك. مستنية العدل هي كمان. - والست اللي فوقينا؟ - حلوة، مش كده؟ دي ممرضة. الظاهر مطلقة أو أرملة. ساكنة وحدها مع ابنها.
يقول أبي: يا ريت ألاقي واحدة طيبة بنت ناس ترضى بشيبتي وتربيلي الولد. تعبت من الخدامات والطباخات. - وتتجوزها؟ - آه. بس تكون مبتخلفش. - يمكن ألاقيلك واحدة عندنا في البلد.
ناپیژندل شوی مخ