العذاب المتعلق بالأمور المخلوقة لا يخافها العارفون، كما أن ما أعده الله في الجنة من أنواع النعيم المتعلق بالأمور المخلوقة لا يحبه العارفون ولا يطلبونه.
وهذا أيضًا غلط، والنصوص الدالة على خلافه كثيرة جدًا ظاهرة.
وهو أيضًا مناقض لما جبل الله عليه الخلق من محبة ما يلائمهم وكراهة ما ينافرهم، وإنما صدر مثل هذا الكلام ممن صدر منه في حال سكره واصطلامه واستغراقه وغيبة عقله، فظن أن العبد لا يبقى له إرادة له أصلًا، فإذا رجع عقله وفهمه علم أن الأمر على خلاف ذلك.
ونحن نضرب لذلك مثلًا يتضح به هذا الأمر إن شاء الله تعالى.
وهو أن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة واستدعاهم الرب سبحانه إلى زيارته ومشاهدته ومحاضرته يوم المزيد، فإنهم ينسون عند ذلك كل نعيم عاينوه في الجنة قبل ذلك، ولا يلتفتون إلى شيء مما هم فيه من نعيم الجنة حتى يحتجب عنهم سبحانه، ويحقرون كل نعيم في الجنة حين ينظرون إلى وجهه ﷻ، كما جاء في أحاديث يوم المزيد.
فلو أنهم ذكروا حينئذ بشيء من نعيم الجنة لأعرضوا عنه، ولأخبروا أنهم لا يرونه في تلك الحال، وكذلك لو خوفوا عذابًا ونحوه لم يلتفوا إليه، وربما لم يستشعروا ألمه في تلك الحال، وإنما يحذرون حينئذ من الحجاب عما هم فيه والبعد عنه، فإذا رجعوا إلى منازلهم، رجعوا إلى ما كانوا عليه من التنعم بأإنواع المخلوق لهم، بل يزداد نعيمهم بذلك مع شدة شوقهم إلى يوم المزيد ثانيًا.
فهكذا حال العارفين الصادقين في الدنيا إذا تجلى على قلوبهم أنوار الإحسان واستولى عليها المثل الأعلى، فإن هذا من شواهد ما يحصل لهم
1 / 27