الشك تفكير.
وكل تفكير هو وظيفة الأنا.
إذن فالشك وظيفة الأنا، ويفترض وجودها.
وكان في إمكانه أن يضع «الكوجيتو» في صورة قياس آخر، على نحو ما فعل الفيلسوف المنطقي والرياضي هينريش شولتس (1884-1956م):
في كل مرة أفكر، أوجد.
أنا أفكر الآن؛
فأنا موجود الآن.
5
غير أن هذه الأشكال القياسية وما شابهها لا تستطيع أن تكون بديلا عن دليل الشك؛ ذلك لأنها تغفل نوعية الربط الذي ينطوي عليه، ويختلف - كما سبق القول - عنه في أي شكل من أشكال القياس المعروفة؛ لأن تجربة الشك السلبية قد ألغت نفسها بنفسها، ورفعت تناقضها الذاتي - كما رأينا - على نحو جدلي لا غبار عليه ولا شبهة فيه.
وسواء كان هذا جدلا من النوع المأثور أو لم يكن، فإن جدلية الشك أو النقد السلبي الشامل على عتبة العصر الحديث تشهد من الناحية التاريخية والواقعية شهادة كافية على حرية الإنسان الأوروبي الحديث (التي لم يفقدها بعد ذلك أبدا، كما قال شلينج عن ديكارت)، وربما تشهد كذلك بصورة غير مباشرة على قدرته الإبداعية على مواجهة الأزمة التاريخية والحضارية التي عاناها وخرج منها، ليمضي منذ ذلك الحين على طريق السيطرة على الباطن والظاهر؛ أعني على ذاته وعلى الطبيعة جميعا. والمهم في هذا السياق أنه عاش تجربة الأزمة والتناقض من خلال تأمل ذاتي سلبي، انعكس فيه تفكير فيلسوفه ديكارت على نفسه، وعبر - بتجربته الفكرية والمعرفية - عن تجربة الإنسان الحديث، الذي نفض عن نفسه أغلال القديم المأثور، وخطا أول خطوة إيجابية على طريق الحداثة الطويل، وهو طريق لم تنته أزماته وتناقضاته، ولن ينتهي نداؤه بمواجهتها بالشجاعة والجرأة والصدق؛ أي بمغامرة إبداع الذات والوجود باستمرار. وهل من سبيل للإبداع إلا بالحركة الفكرية المستمرة بين قطبي السلب والإيجاب، ومن أزمة تناقض ترفع إلى حين لكي تتولد عنها أزمة تناقض جديد تتطلب بدورها إبداعا من نوع جديد؟ ألم تجاوز الحركة الفكرية، التي أطلقها ديكارت لأول مرة، منطق أرسطو الصوري وعقلية العصر الوسيط، إلى فكر جديد كان عليه أن ينتظر أكثر من قرن من الزمان، ليجد صورته الجدلية على يدي هيجل وأتباعه من رواد العصر الحديث والتفلسف الحديث؟
ناپیژندل شوی مخ