[المجلد الاول]
تصدير التصدير
نشر الجزءان الأوّل والثاني من كتاب تجارب الأمم عام ١٩٨٧ م. وحظى عملنا المتواضع بالقبول والتشجيع من قبل الباحثين من ذوى الإختصاص، سواء في ايران أو خارجها، ولكن تأخّر- ولظروف طارئة- صدور الأجزاء المتبقّية الجاهزة في المطبعة بحيث صدرت عام (١٩٩٧- ٢٠٠١ م) في الوقت الذي نفذت فيه النسخ المنشورة من الجزأين الأوّلين. إذن وعند ما عزم الأمر على إصدارها كاملة ومتزامنة، أعدنا النظر في تصديرنا الذي صدّرنا به عملنا يوم ذاك، وأدخلنا فيه بعض ما استجدّ لنا بعد ذلك.
والجدير بالذكر أنّ هذه الطبعة المحقّقة الكاملة الأجزاء من تجارب الأمم لا تقاس إطلاقا بالطبعة السابقة الناقصة الأجزاء التي نشرها آمد روز (ج ٥، ج ٦ الذيل، مصر ١٩١٦- ١٩١٤) وترجمها المستشرق مرجليوث إلى الإنجليزية (أكسفورد ٢١- ١٩٢٠) والتي لم تشمل إلّا أقلّ من نصف أجزاء الكتاب من آخره. حيث إن نشرتنا هذه تشمل ولأوّل مرّة في تاريخ النشر ومنذ عهد غوتمبرغ، كلّ أجزاء تجارب الأمم الستة مع ذيله وفهارسه، لتصبح في النهاية ثماني مجلدات.
هذا، وقد شاءت الأقدار أن لا يكون فراغنا من هذا العمل إلّا في عامنا هذا بالذات، الذي صادف السنة الألف من وفاة مسكويه من ناحية، والسنة الدولية لحوار الحضارات من ناحية أخرى. لقد سبق أن عمل مسكويه الكثير من أجل هذا الحوار، فإنّه حكيم اسلامىّ غنوصىّ برغماتىّ، فلسف التاريخ ونظر في تاريخ الأمم والشعوب المعتدّة بها في ذلك العصر وحسب مصادر كانت في متناوله، للتعرّف على مناحى حياتهم ولاستخلاص
1 / 5
تجاربهم والتنبيه على مواضع الإعتبار منها، كما درس آداب العرب والفرس واليونان والهند وذلك لإكمال ال «جاودان خرد» أى الحكمة الخالدة التي وجد نواتها عند الفرس الأقدمين وألفاها تعمّ الإنسانيّة جمعاء، كما خدم الإنسان من حيث هو إنسان ومن دون أىّ انتماء، وذلك بمحاولته الرائدة المعترف بها لدى الجميع في فلسفة الأخلاق التي لم تكن مدوّنة قبله، الفلسفة التي لا تهدف إلّا سعادة الإنسان القصوى، ولا تنشد إلّا رقيه إلى كماله الأعلى، الخاصّ واللائق به والمتوقّع منه، ولا يقصد إلّا تقويم سلوكه وذلك لإنقاذه ممّا اعتاد أن يعانيه طيلة حياته.
وفي الختام، نسأل الله تعالى شأنه، وذلك بعد شكره على هذا التوفيق، أن يوفّقنا في إكمال الترجمة الفارسية لهذا الكتاب أيضا وفي إتمام ما تبقّى من العمل لسائر مصنفات هذا العالم العلم الإيرانىّ الإسلامى نصّا وترجمة، وفي نشر دراستى المستقلّة الشاملة، الخاصة بمسكويه ودوره العلمي في عصره، والتي أودّ أن تكون آخر حلقة من هذه السلسلة، وذلك لسدّ الفراغ المشهود على هذا الصعيد، في لغتنا الفارسية.
الدكتور ابو القاسم امامى طهران- شتاء ١٣٧٩ ش./ ١٤٢١ ق./ ٢٠٠١ م.
1 / 6
تصدير عام حول مسكويه وتصنيفه تجارب الأمم
مناهل دراسته
لم يرد في المصادر القديمة التي وصلت إلينا حتى اليوم، ذكر بالتفصيل عن حياة مسكويه يجيب على الكثير من الأسئلة المطروحة أمام دارسيه. وكلّ ما لدينا هو نصوص مبعثرة في هذا المصدر أو ذاك، تناقلها أصحاب التراجم ومؤرّخو الحكمة، وهي نزر قليل للغاية. ومن حسن الحظّ أن نرى حكيما من كبار الحكماء المعاصرين لمسكويه، ممّن يعرف مسكويه عن كثب ويقدّر القيم التي تنطوى عليها شخصيّته، نراه ولم يقنعه ما كتبه عن مسكويه في كتابه والذي ليس إلّا بقدر ما كتبه حول الحكماء الآخرين بالاختصار والتلخيص، بل يعدنا فيه أنّه سيخصّص رسالة بمسكويه يعالج فيها مزيدا من تفاصيل حياته. وهذا الحكيم هو أبو سليمان المنطقي السجستانىّ الذي يعدّ بدوره من أعظم الحكماء في تلك الحقبة. ثم نرى- وهذا من سوء الحظّ- أنّ ما وعده أبو سليمان لم يصل إلينا، سواء كان لم يوفّق في إنجاز ما وعد، أو لأنّه أنجزه، ولكنّ صروف الدهر هي التي حرمتنا هذه الوثيقة القيّمة التي كان من شأنها أن تغنينا ممّا هو مبعثر هنا وهناك، وليس إلّا تردادا لقليل من الكثير اللازم في التعرّف على حياة مسكويه. أمّا ما وعده أبو سليمان، فهو ما قاله في كتابه صوان الحكمة:
«... أمّا ما سمعته من مجاري حياته، وشاهدته من سيره الحسنة، وأخلاقه الطاهرة، فسأفرد فيه رسالة أقصرها على ذلك، إذ ليس يحتمل هذا الموضع
1 / 7
أكثر ممّا ذكرته.» وكان ظهور هذا الوعد الفريد في الصوان، ومصيره المجهول بعد ذلك، بالنسبة للمعنيّين بدراسة مسكويه «غمامة أبرقت- كما قال القائل- قوما عطاشا، فلمّا رأوها، أقشعت وتجلّت» ولم تمطر ما يشفى غليلهم.
وأمّا تصنيفه تجارب الأمم، الذي ضمّنه في الجزأين الأخيرين منه حوادث عصره، ومن خلالها بعض حوادث حياته، فهذا المصدر أيضا، يتوقّف عند سنة ٣٦٩ هـ، وهذا يعنى أنّ مسكويه عاش بعد ذلك حوالى نصف قرن، تاركا كتابة الحوادث المتبقّية من عصره، الحوادث التي كان من شأنها أن تلقى مزيدا من الضوء على النصف الثاني من حياته أيضا، وذلك من خلال اتّصاله الوثيق بالشخصيّات الدخيلة في تلك الحوادث، حيث كان مسكويه من وجوه أوساطهم.
ومهما يكن من أمر المصادر، فإننا لا نعمد هنا الخوض في تفاصيل حياة مسكويه، بل نكتفي بإيراد أهمّ المصادر التي فيها ترجمة أو ذكر لمسكويه، نثبتها في أربع فئات:
أ. آثاره كسيرة ذاتيّة:
إنّ مسكويه قد يتحدّث في مطاوى آثاره عن نفسه، بأحاديث لها دلالات مهمّة في معرفة أحواله وبعض نواحي حياته، وأخصّ بالذّكر كتابه: تهذيب الأخلاق، وكتابه الآخر:
الهوامل والشوامل، والجزءين الخامس والسادس من تجارب الأمم.
ب. المصادر المعاصرة لمسكويه (٣٢٠- ٤٢١ هـ):
١. أبو حيّان التوحيدي (٣٢٠- ٤١٤ هـ) في الإمتاع، والمقابسات، ومثالب الوزيرين، والصداقة والصديق.
٢. أبو سليمان المنطقي (العقد الأوّل من القرن الرابع- ٣٩١ هـ.) في كتابه صوان الحكمة.
٣. أبو منصور الثعالبي (٣٥٠- ٤٢٩ هـ.) في تتمّة اليتيمة. وأمّا ما ذكره عن مسكويه في اليتيمة نفسها فلا يتجاوز نقل بيتين من شعر مسكويه قالهما في ابن العميد.
1 / 8
٤. أبو بكر الخوارزمي (المتوفّى سنة ٣٨٢ هـ.) في رسائله.
٥. بديع الزمان الهمذاني (... - ٣٨٩ هـ.) أيضا في رسائله.
ج. المصادر المتأخّرة عن عصر مسكويه:
١. البيهقي (المتوفى سنة ٥٧٥ هـ.) في مخطوط كتابه تاريخ حكماء الإسلام، عند كلامه عن الفيلسوف ابن الطيّب وتطاول ابن سينا على علماء عصره. وهو مخطوط يتشابه كما قال عزّت (ص ١٤٦) في هذا الموضوع وغيره مع كتاب آخر مطبوع هو تتمة صوان الحكمة، بل هما كتاب واحد بعنوانين مختلفين، نشر عزت في كتابه (ص ١٤٦) النصّ الخاصّ بمسكويه، كما نشر الكتاب بكامله في دمشق سنة ١٩٤٣.
٢. ابن أبى أصيبعة (٥٧٩- ٦١٦ هـ.) في عيون الأنباء في طبقات الأطبّاء.
٣. ياقوت (المتوفى سنة ٦٢٩ هـ.) في معجم الأدباء أو إرشاد الأريب.
٤. القفطي (٥٦٤- ٦٥٦ هـ.) في إخبار العلماء بأخبار الحكماء.
٥. الشهرزوري (عاش شطرى القرنين السادس والسابع) في مخطوطة نزهة الأرواح وروضة الأفراح. وتجد النص منشورا في عزّت (ص ١٤٤) . وكلام الشهرزوري في هذا النصّ اقتضاب محرّف من كلام أبى سليمان المنطقي في نشرة بدوي (ص ٣٤٦) . والعجيب من أمره أنّك تجد في نصّ الشهرزوري هذه العبارة: «إلى وقتنا هذا» دون إشارة إلى أنّ الكلام لأبى سليمان وأنّ الوقت وقته ووقت مسكويه.
٦. الصفدي (٦٩٦- ٧٦٤ هـ.) في الوافي بالوفيات. ترجم له في هذا الكتاب بترجمة وافقت ترجمته في معجم ياقوت.
٧. حاجي خليفة (١٠١٧- ١٠٦٧ هـ.) في كشف الظنون.
٨. عبد الله أفندى التبريزي الاصفهانى (من أعلام القرن الثاني عشر) في رياض العلماء.
٩. الخوانساري (١٢٢٤- ١٣١٣ هـ.) في الروضات.
١٠. السيد حسن الصدر (١٢٧٢- ١٣٥٤ هـ.) في تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام، وفي الشيعة وفنون الإسلام.
1 / 9
١١. محمد على مدرس (١٢٩٦- ١٣٧٣ هـ.) في ريحانة الأدب.
١٢. الطهراني (١٢٩٣- ١٣٨٩ هـ.) في الذريعة، وذلك عند ذكره لآثار مسكويه.
د. الدراسات الحديثة:
أمّا الدراسات الحديثة التي قام بها الباحثون في الشرق والغرب، فبالإضافة إلى ما نشر منها في دوائر المعارف، أو في تواريخ الفلسفة الإسلامية، أو في الفهارس، أو في المجلات العلميّة، أو في معاجم الأعلام، أو في مقدمة النشرات لآثار مسكويه، وغيرها، فإنّ هناك دراسات أخرى مسهبة مستقلة، أنجزت أيضا، حول مسكويه ونقد آثاره وتقييم أعماله العلمية. وهي حسب تاريخ النشر: الدكتور عزيز عزّت: «ابن» مسكويه وفلسفته الأخلاقيّة ومصادرها (القاهرة ١٩٤٦ م)، والدكتور عبد الرحمن بدوي: مقدمته المسهبة على نشرته لجاويدان خرد (الحكمة الخالدة القاهرة ١٩٥٢ م، طهران ١٣٥٨ هـ. ش.)، والدكتور عبد الحق أنصارى: فلسفة مسكويه الأخلاقية (بالإنجليزية عليكره ١٩٦٤ م:M.S.Khan، (مسكويه، حياته وآثاره، بالإنجليزية. أخبرنا بذلك في نشرته لرسالة مسكويه في ماهيّة العدل (ليدن ١٩٦٤ م: ص ١ حاشية ١) ولكنّنا لم نجد أىّ إشارة إلى هذا الكتاب فى الدراسات التي أنجزت بعد ذلك، والدكتور م. أركون: (M.Arkoun) الإنسيّة العربيّة في القرن الرابع الهجري، مسكويه الفيلسوف والمؤرّخ (باللغة الفرنسيّة، باريس ١٩٧٠ م، وباللغة العربيّة: نزعة الأنسنة في الفكر العربي، جيل مسكويه والتوحيدي، بيروت، دار الساقي ١٩٩٧ م.)، وأخيرا فإنّ لنا أيضا دراسة شاملة عن مسكويه باللغة الفارسية حاولنا من خلالها سدّ الفراغ المشهود هنا في ايران، مع العلم بأنّه رازىّ، أى إيرانىّ. هذا علاوة على هذا التصدير الذي بين يدي القارئ، والذي نقل بتمامه وعن طبعته الأولى، في مستدركات أعيان الشيعة في مادّة «أحمد مسكويه»، ومقدّمتنا لترجمتنا الفارسيّة لهذا الكتاب، وما كتبناه في مادّة «أبو على مسكويه» في «دايرة المعارف بزرگ إسلامي» (دائرة المعارف الإسلاميّة الكبرى) المعاد نشره في «ذكرى ألفيّة أبى على مسكويه» التي أقيمت في مدينة قم في هذا العام.
1 / 10
الفترة التي عاشها
عاش مسكويه حوالى مائة سنة، ووصل إلى أرذل العمر الذي امتدّ من سنة ٣٢٠ هـ على الأقوى، إلى التاسع من صفر سنة ٤٢١ هـ. بالتحديد على ما ذكره ياقوت نقلا عن يحيى بن مندة. ويبدو أن مرجليوث هو أوّل من حاول تحديد مولد مسكويه، وذلك في المقدمة التي قدّمها لترجمته الإنجليزية للجزأين الأخيرين من تجارب الأمم وذيل الروذراورى له (أنظر. (LEcl.،Pref.،P.ii:فنراه وقد حدّد مولد مسكويه «مؤقتا» سنة ٣٣٠ هـ.، ثم يعود قائلا: «أو أسبق بقليل» . ثم يحاول الدكتور عزّت (ص ٧٩- ٨٠) تقديم هذا التاريخ من ٣٣٠ إلى ٣٢٥ هـ. كما يقدّمه الدكتور عبد الرحمن بدوي (ص ٢٠- ٢١) أكثر من ذلك ويجعله سنة ٣٢٠ هـ. قائلا: «إن لم يكن قبل ذلك» . وأمّا الدلائل أو الأمارات الموجودة لتحديد مولد مسكويه فهي:
١. ما قاله مسكويه نفسه في تجارب الأمم في مقدمة حوادث سنة ٣٤٠ هـ. فصاعدا، ذاكرا مصادره في تقرير تلك الحوادث، قال:
«أكثر ما أحكيه بعد هذه السنة، [أى بعد سنة ٣٤٠ هـ.] فهو عن مشاهدة وعيان، أو خبر محصّل يجرى عندي خبره مجرى ما عاينته. وذلك أنّ مثل الأستاذ الرئيس أبى الفضل محمد بن الحسين بن العميد- رضى الله عنه- خبّرنى عن هذه الواقعة وغيرها بما دبّره وما اتّفق له فيها، فلم يكن إخباره لى دون مشاهدتى في الثقة والسكون إلى صدقه، ومثل أبى محمد المهلّبى- ﵀ خبّرنى بأكثر ما جرى في أيّامه، وذلك بطول الصحبة وكثره المجالسة، وحدّثنى كثير من المشايخ في عصرهما بما يستفاد منه تجربة، وأنا أذكر جميع ما يحضرني ذكره، وما شاهدته وجرّبته بنفسي فسأحكيه أيضا بمشيئة الله.» ٢. ما قاله مسكويه في تجارب الأمم أيضا عن نفسه، (أنظر حوادث سنة ٣٤١)، وذلك
1 / 11
عند ذكر معزّ الدولة بالحدّة والبذاءة، وموقف الوزير المهلّبى من أخلاقه. قال مسكويه:
«وكان معزّ الدولة حديدا سريع الغضب بذيء اللسان، يكثر سبّ وزرائه والمحتشمين من حشمه، ويفترى عليهم، فكان يلحق المهلّبى- ﵀ من فحشه وشتمه عرضه ما لا صبر لأحد عليه، فيحتمل ذلك احتمال من لا يكترث له وينصرف إلى منزله، وكنت أنادمه في الوقت، فلا أرى لما يسمعه فيه أثرا، ويجلس لأنسه نشيطا مسرورا....» أمّا في الدليل الأوّل فيحدّثنا مسكويه عن «طول الصحبة وكثرة المجالسة» التي كانت بينه وبين الوزير المهلبي، وفي الدليل الثاني يقول: «وكنت أنادمه في الوقت.» والمعروف أنّ المهلّبى قد تولّى الكتابة لمعزّ الدولة سنة ٣٣٩ هـ. وخوطب بالوزارة سنة ٣٤٥ هـ. وتوفّى في شعبان سنة ٣٥٢ هـ. (أنظر التجارب، حوادث سنة ٣٣٩، ٣٤٥، ٣٥٢)، والفترة الواقعة بين سنتي ٣٣٩ و٣٥٢ هي التي كانت فيها تلك المنادمة والصحبة والمجالسة التي وصفها مسكويه بالكثرة والطول. نعم صحيح أنّه «قد صحب الوزير المهلّبى في أيّام شبيبته» - كما صرّح به أبو سليمان أيضا في الصوان (ص ٣٤٦- ٣٤٧) - ولكنّ مسكويه في هذه الشبيبة، لا يمكن أن تكون سنّة أقلّ من ٢٥ سنة، وخاصّة بالنظر إلى أنّه «كان من خواصّه ووجوه المختصّين به» - كما أضاف أبو سليمان- وكان من الحنكة والبصيرة على مستوى جعل المهلّبى يتخذه نديما له و«يخبره بأكثر ما جرى في أيّامه»، كما جعل مسكويه بالذات يعدّ نفسه مصدرا من مصادر تاريخ سنة ٣٤٠ فصاعدا، وذلك في قوله: «وأنا أذكر جميع ما يحضرني ذكره، وما شاهدته وجرّبته بنفسي، فسأحكيه بمشيئة الله.» فبذلك لا يصحّ أن يكون مولده بعد سنة ٣٢٠، كما تكون منادمته وصحبته الطويلة ومجالسته الكثيرة للوزير المهلّبى ابتداء من عام ٣٤٥ أى دون احتساب الخمس السنوات الأولى (٣٣٩- ٣٤٤ هـ.) من وزارة المهلّبى وذلك لبعض الاحتمالات السلبيّة التي قد تعترى هذا الافتراض.
٣. وهناك دليل آخر، وهو دليل على طول عمره أكثر من كونه دليلا على تحديد سنواته أو تحديد ميلاده، وهو أنّ لمسكويه أبياتا يشكو فيها «سوء أثر الهرم وبلوغه أرذل العمر»
1 / 12
(أنظر الثعالبي، التتمة ص ٩٦) .
فبهذا لا نستبعد أن يكون مسكويه قد عمّر مائة سنة كاملة (٣٢٠- ٤٢١) إن لم نقل أكثر من ذلك، وعاش قرنا كاملا هو ألمع القرون الإسلاميّة حضارة، وهو عصر النهضة في الإسلام كما سمّاه آدم متز. وإذا عرفنا أنّ دولة البويهيين قد بدأت في سنة ٣٢٠ هـ، فيكون مسكويه والدولة البويهية، تربين، أو، لدتين، تعاصرا قرنا كاملا. والسنوات المائة هذه كانت قمّة ازدهار تلك الدولة، وأمّا السنوات المتبقّية من عمر الدولة (٢٧ ٤٢١- ٤٤٨ هـ.) فهي سنوات تنحدر الأسرة البويهيّة فيها، إلى حضيض الضعف والاضمحلال. فبذلك، يصبح مسكويه وثيقة حيّة من أوثق وثائق تلك الحقبة التاريخية التي لها خصائص وميزات في تاريخ الفكر والعلم الإسلاميين، وإن كانت بالنسبة للخلافة العباسية عصر تفكّك وتعدّد في مراكز الحكم، مع العلم بأنّ هذا بالذات، أدّى إلى تعدّد مراكز العلم أيضا، كما أدّى إلى ازدهار تلك المراكز، ونبوغ العلماء المنتمين إلى مختلف أرجاء العالم الإسلامى آنذاك، وذلك لتنافس الأمراء وتفاخرهم فيما بينهم باجتذاب العلماء والأدباء إلى بلاطاتهم. فنبغ في غضون ذلك رجال علم وحكمة وأدب وسياسة عاصرهم مسكويه وعاصروه، وكان مسكويه على اتّصال وثيق بكثير منهم.
مسكويه، لا ابن مسكويه
واختلفوا لا سيّما في القرون الإسلامية الأخيرة في أنّه: من هو الملقّب بمسكويه؟ هو، أى أحمد، أو أبوه محمّد، أو جدّه يعقوب؟
والواقع أنّ مسكويه لقبه هو، أى لقب أحمد، وأمّا الاختلاف الموجود بهذا الصدد، فيرجع أولا، إلى عدم الانتباه إلى التسمية التي سمّاه بها معاصروه من أصدقائه وزملائه، وثانيا، لأنّ بعض المتأخرين رأوا مسكويه يسمّى نفسه بشكل لا يمكن معه البتّ، لو لم نستدلّ بما دعاه به معاصروه. فإنّنا نراه قد يسمّى نفسه «الأستاذ أبو على أحمد بن محمد مسكويه» (أنظر التجارب، المخطوطة المصورة ١٨٢ بن ٦، ٤٨٠ بن ٥ والمطبوعة من نشرتنا، ج ٥: ١٧٠، ج ٦:
٤١٠، جاويدان خرد [الحكمة الخالدة]: ٣٧٥)، كما قد يسمّى «أحمد بن محمد بن يعقوب
1 / 13
مسكويه» (أيضا جاويدان خرد ص ٥، ورسالته إلى أبى حيّان في ماهيّة العدل، ص ١٢) .
فوقوع «مسكويه» تارة بعد اسمه أحمد، وتارة بعد اسم أبيه محمد، وتارة بعد اسم جدّه يعقوب، كان سبب الخطأ الذي شاع في ما بعد، في ضبط اسم مسكويه، فأوهم بعض الكتّاب أنّ مسكويه لقب لأبيه، أو جدّه، فكتبوه: «أحمد بن مسكويه»، أو: «أحمد بن محمد بن مسكويه» أو بشكل أغرب: «أحمد بن محمد بن يعقوب بن مسكويه»، بمعنى أنّ «مسكويه» أصبح لقبا لأبى جدّه (أنظر الخوانساري، الروضات ١: ٢٥٤، والطهراني، الذريعة ٣: ٣٧٤) .
والحقيقة أنّه عند ما يقال: «أحمد مسكويه» أو «أحمد بن محمد مسكويه»، أو «أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه»، فالقصد أن يجيء اللقب بعد أحمد أى بعد اسمه، فإذا ذكر الاسم وحده فاللقب يتلوه مباشرة. ولكن إذا ذكر الاسم مخصّصا بذكر اسم الأب، فيجيء اللقب بعد ذكر الأب، وإذا كان هناك تخصيص آخر بذكر اسم الجدّ فيأتى اللقب بعد ذكر اسم الجدّ، وهكذا. لأنّ مسكويه ذاته لم يذكر اسمه متلوّا باسم أبيه، أو جدّه دائما، بل نراه أحيانا يذكر لقبه بعد كنيته (أبى على) فقط، ونراه يفعل ذلك بتكرار مشهود يبدّد كلّ الشكوك بهذا الصدد.
ففي شوامله على هوامل أبى حيّان التي يبلغ عددها ١٧٥ مسألة، نراه يذكر اسمه في مستهلّ كل جواب بقوله: «قال أبو على مسكويه» اللهم إلّا في الإجابة الأولى، حيث يذكر اسمه متلوّا باسم أبيه فيقول: «قال أبو على أحمد بن محمد مسكويه»، أى لمرّة واحدة فقط، وذلك لتخصيص اسمه باسم أبيه كما أشرنا إلى ذلك. فأحمد نفسه هو الملقّب بمسكويه، وهو ليس ابنا لمسكويه، أو سبطا له.
وأمّا المعاصرون لمسكويه (٣٢٠- ٤٢١ هـ.) الذين سمّوه في كتبهم «مسكويه» فهم: أبو سليمان المنطقي (٣١٠- ٣٩١ هـ.) في صوان الحكمة: ص ٣٢١، وأبو حيّان التوحيدي (٣٢٠- ٤١٤ هـ.) في الإمتاع: ١: ٣٥، ١٣٦، ٣: ٢٢٧، وفي الصداقة والصديق: ٦٧- ٦٨، وفي مثالب الوزيرين: ١٨- ١٩، وأبو منصور الثعالبي (٣٥٠- ٤٢٩ هـ.) في تتمّة اليتيمة ١:
٩٦، وأبو بكر الخوارزمي (... - ٣٨٢ هـ.) في رسائله: ١٠٢. وأمّا بديع الزمان الهمذاني (... - ٣٨٩ هـ.) فنقل ضبطه ياقوت في معجم الأدباء حيث قال: «وللبديع الهمذاني إلى أبى على مسكويه» على أنّ هناك طبعة غير محقّقة من رسائل البديع (ص ١٠٠، ٣٢٣) ورد فيها اسم
1 / 14
مسكويه بصورة خاطئة هكذا: «أبو على بن مشكويه» فلو كان ضبط البديع كمصدر لياقوت مخالفا لضبط ياقوت، أو ضبط أبى حيّان، أو ضبط ابن مندة، من الذين ذكرهم ياقوت في معجمه، لكان ياقوت ذكر هذا الاختلاف.
وأمّا القدماء من غير معاصري مسكويه الذين سمّوه «مسكويه» فهم: الروذراورى (٤٣٧- ٤٨٨ هـ.) في مقدمته على الذيل، وابن أبى أصيبعة (٥٧٩- ٦١٦ هـ.) في عيون الأنباء (الطبعات الثلاث: ص ٢٤٥، ص ٢٣٦، ص ٣٣١)، وياقوت في معجم الأدباء (نشرة مرجوليوث ج ٥: ص ٥، ٦، ١٠، ١١)، والصفدي (٦٩٦- ٧٦٤ هـ) نقل كلام ياقوت بتمامه (أنظر مرجوليوث في نشرته لياقوت ٥: ٥ الحاشية) . وقد صرّح ياقوت بأنّ مسكويه لقب لأحمد حيث ذكره في عنوان كلامه بقوله: «أحمد بن محمد بن يعقوب الملقّب مسكويه» (برفع «الملقّب») . والحقّ مع مرجوليوث حيث ضبط «الملقّب» بالرفع نعتا لأحمد لا ليعقوب، وذلك لأنّ مرجوليوث شاهد بوضوح أنّ ياقوت نفسه يكرّر ذكر مسكويه في خمسة مواضع (ناقلا عن معاصريه) بلفظ مسكويه، فلم يتردّد في ضبط «الملقّب» بالرفع إذا كان الضبط منه وليس من مخطوطة معجم الأدباء، ونحن نعتبر ابن مندة أيضا من الذين ذكروا مسكويه «مسكويه» حيث نرى ياقوت ينقل عنه بنفس الضبط. ومن هؤلاء القدماء القفطي (٥٦٤- ٦٤٦ هـ) في تاريخ الحكماء (ص ٣٣١) ونصير الدين الطوسي (٥٩٧- ٦٧٢ هـ.) في أخلاق ناصري (باللغة الفارسية ص ٣٥، ٣٦)، وحاجي خليفة (المتوفى ١٠٦٧ هـ.) في كشف الظنون، والسخاوي (القرن التاسع) في التوبيخ (ص ٣٩) .
وأمّا في الموسوعات ودوائر المعارف، فهو مسكويه أيضا في: دائرة المعارف الإسلامية (الطبعة الجديدة ١٩٧١ م.، الإنجليزية والفرنسية) انسحابا من الموقف في الطبعة القديمة، ففي تلك الطبعة ورد «ابن مسكويه» كما في الطبعة العربية والطبعة الفارسية (دانشنامه ايران وإسلام)، وهو مسكويه أيضا عند دهخدا في لغتنامه، وكذلك في دائرة المعارف للبستانى، كما صرّح العاملي في الأعيان بقوله: «مسكويه لقب أحمد نفسه كما صرّح به جماعة....» أمّا الدراسات المستقلّة التي نشرت عن مسكويه، فهو في كلّها مسكويه كما رأيت من عناوينها التي سبق أن ذكرناها.
1 / 15
ومن بين المستشرقين فإنّ مرجوليوث أيضا صرّح بقوله: «إنّ مسكويه لقب له بالذات لا لأبيه وهذا يظهر بجلاء كثير من كلام معاصريه ...» (أنظر (Ecl.،Preface،ii وكذلك برجشتر أيسر الذي أورد مواضع جاء فيها «مسكويه» بدون «ابن» (أنظر P.٦٧٤:بن ٦٥ بن، (ZDMG كما أخبرنا الدكتور عزت عن مخطوطات رسائل مسكويه (مجموعة راغب باشا) جاء فيها ضبط «مسكويه» بالصورة الصحيحة.
أمّا ما ورد في مخطوطة كتاب تاريخ الحكماء للبيهقي (أنظر عزت: ١٤٦) أو في مخطوطة نزهة الأرواح للشهرزورى حيث جاء «ابن مسكويه» فهو اقتضاب محرّف خاطئ من صوان الحكمة لأبى سليمان، ونحن عرفنا ضبط أبى سليمان سواء في ما نقله عنه ياقوت، أو في الصوان نفسه في نشرة بدوي (ص ٣٢١، ٣٤٦) . فهاتان المخطوطتان لا يمكن الاعتماد عليهما، ولعلّ أخطاء المتأخرين في ضبط اسم مسكويه إنّما نشأ عنهما.
وأمّا ما جاء في مخطوطة ابن خلكان (٦٠٨- ٦٨١ هـ) الذي كتبه بخطّ يده (المتحف البريطانى، الإضافات، رقم ٢٥٧٣٥، ورقة ١٠ ب) والذي اعتمد عليه بروكلمن،GAL) الملحق ١: ٥٨٢ رقم ١) وقال «من المحتمل أن يكون مسكويه- وأصله مشكويه- لقب جدّه» كما فعل آمد روز (NoteontheHist.P.XVI) فمردود ما دام مسكويه ومعاصروه الكبار يشهدون بخلافه.
فبذلك كلّه، وفي نهاية المطاف، فهو: مسكويه، أى هو أبو على أحمد مسكويه (ابن محمد بن يعقوب) أى اللقب له، لا لأبيه، ولا لجدّه.
مسكويه: مشكويه
إنّ الأصل الفارسي لمسكويه هو «مشكويه» كما جاء في بعض طبعات رسائل الهمذاني، وعند دولتشاه السمرقندي (القرن التاسع الهجري) في تذكرة الشعراء، (ص ٢٤) وعند يوستى في الأسماء الايرانية (بالألمانيّة، ص ٢١٨)، وعند بروكلمن (الملحق ١: ٥٨٢ الحاشية) وعند جب (Gibb) في دائرة المعارف الإسلامية، وكذلك عند لفيف من الكتّاب الإيرانيين منهم سعيد نفيسى في ترجمته لابن سينا (ص ١٣١)، دانش پژوه على ظهر نشرته
1 / 16
لجاويدان خرد.
أمّا في تاريخ كمبردج فالشكل الفارسي للاسم هو بالسين: مسكويه) Muskuya:أنظر P.٤٢٩ -٣٠ بن. (theCamb.Hist.ofIran،Vol.٤ وهذا غريب. لأنّ النطق الفارسي للكلمة منذ عصر مسكويه، أو أسبق من ذلك، لا يعترف بوجود حرف السين فيها، مهما يكن من أمر أصلها في اللغات الهندو إيرانية القديمة. فالسين هذه علامة وجود شكلين لتعريب هذا الإسم: مسكويه، مسكويه. والأوّل أوفق للنطق العربي والثاني أقرب إلى الشكل الفارسي:
مشكويه.
إنّ كلمة مشكويه تركّبت من جزأين: مشك أويه (Lmoshk uyeh) أمّا الجزء الأوّل فهو في الفارسية بضم الميم وكسرها، وأصله في السنسكريتية) muska مصغر mus:بالفارسية موش: الفأرة)، وفي اليونانية،Lmoskos وفي اللاتينيّة،Lmuskus ومعنى الكلمة: المادة العطرة المعروفة المأخوذة من غزال المسك، ولا حاجة إلى القول إنّه عرّب إلى «مسك» . قال الجوهري: المسك من الطيب فارسىّ معرّب. قال: وكانت العرب تسميه «المشموم» . أمّا الجزء الثاني (أويه) فهو لاحقة تلحق بالكلمات لبيان الاتصاف، أو النسبة، أو التصغير، أو الاستعطاف، وأمّا إذا قلنا «مشك (Lmashk) «بفتح الميم، فمعناه جلده الغنم مدبوغا وغير مدبوغ، أو الوعاء الذي يصنع منه ويجعل السقّاء فيه الماء. وتعريبه «مسك» بالسين المهملة وبنفس المعنى (أنظر اللسان، نفس المادّة) . وهذا الشكل بمعناه ربما يهمّ الذين ضبطوا «مسكويه» بفتح الميم، كما نجده عند مرجوليوث في نشرته لمعجم ياقوت (٥: ٥- ١٧) مع العلم بأنّه ذكره بكسر الميم في مقدّمته لترجمة تجارب الأمم.
أمّا المعاني التي أوردها أصحاب القواميس الفارسية لكلمة «مشكويه» (مشكوى moshkuy مشكو (Lmoshku فهي: بيت الأصنام. سرادق الملوك. القصر. الطابق الفوقاني من البيت. كما أنّ مشكويى Moshkuyi اسم لنغمة موسيقيّة. (أنظر معين: نفس الموادّ) .
وهناك ملاحظة أخرى حول كلمة «مشكويه»، وهي أنّها اسم- كما قال المؤرّخون الجغرافيون- لبليدة من أعمال الري بينها وبين الرىّ مرحلتان على طريق ساوه (أنظر مراصد الاطلاع: نفس المادة، والمقدسي: ص ٤٠٠، وأشباههما من المصادر)، ولذلك اعتقد
1 / 17
بعضهم بأنّ مولد مسكويه هو بليدة مشكويه هذه. (أنظر: رى باستان [الري الأثرية]: ٦٢٥) .
وقال الدكتور عزّت بهذا الصدد: إنّ مسكويه لقّب بمسكويه ربما لأنّه كان يحبّ هذا العطر، ويفضّله، ويتطيّب به، وهو في بعض أشعاره (أنظر التتمة: ٩٨) يستعمل كلمة المسك للمقارنة الحسنة، فهو يشبّه خيار الناس وفضلاءهم بالمسك في قوله:
والناس في العين أشباه وبينهم ... ما بين عامر بيت الله والخرب
في العود ما يقرن المسك الذكىّ به ... طيبا، وفيه لقى ملقى مع الحطب
وكم كان بودّنا أن نجد دليلا نعتمد عليه على أنّ مسكويه من بليدة مشكويه من أعمال الري- كما قيل- حتى يأتى دور التأمل في كيفية استعمال النسبة بهذا الشكل في اللغة العربية، لأنّها لو كانت نسبة فارسيّة بلاحقة «أويه»، لكان المنسوب هو «مشك» ونحن نعلم أنّ البليدة اسمها «مشكويه»، فيلزم أن تكون النسبة إلى «مشكويه» بأحد الأشكال التالية:
مشكويجى (من الأصل الفارسي: مشكويگى، كخانجى وميانجى) أو: مسكويى بحذف ما يشبه تاء التأنيث في النسبة العربية: أو: مسكويهى، على وزن سيبويهى. ثمّ يأتى دور هذا السؤال: لماذا لم يقولوا: أبو على المسكويهى؟ أى لماذا لم يعرّفوه بأل التعريف في ضبطه العربي؟ إلّا أن يقال: إنّ النسبة في أصلها الفارسىّ كانت على شكل «مشكويه اى» وكانت تكتب بالصورة التقليدية: «مشكويه» أى بإثبات ياء صغيرة على شكل همزة على الهاء، ثم حذفت الهمزة استخفافا بشأنها في نهاية الكلمة، وعلى القاعدة القائلة: «تلك كلمة أعجميّة فالعبوا بها كيف شئتم» فقيل في التعريب: مسكويه على وزن سيبويه ونسى أمر التعريب فأصبحت النسبة لقبا له، ثم ابتليت بمصير سائر الكلمات الفارسية المختومة ب «ويه» التي تنوس بين ضبط «- أويه (Luyah) «و«- ويه. (LWayh) «وما دمنا لم نتوصل إلى دليل مقنع يدلّ على صحّة أحد هذه الفروض، فلا يمكن الاطمئنان إلى أىّ شيء يقال بهذا الصدد.
1 / 18
أوصافه وألقابه الأخرى
لقد وصفه المترجمون له من القدماء والمتأخّرين بقولهم: الحكيم، المتكلّم، الفيلسوف، الأخلاقى، المؤرّخ، الرياضىّ، المهندس، اللغوي، الأديب، الشاعر، الكاتب، الذكىّ، الناقد، النافذ الفهم، الكثير الاطلاع على كتب الأقدمين ولغاتهم المتروكة. كما كان من ألقابه، علاوة على لقب مسكويه: الخازن، والنديم، كما لقّب بالمعلم الثالث، مع أنّ اللّقب كان قد ترشّح له ابن سينا أيضا. ويقال إنّ مسكويه لقّب بالمعلم الثالث لدوره الفذّ الذي لعبه في إعادة بناء الفلسفة اليونانيّة في فرعها العملي، أى في فلسفة الأخلاق، وجمع أشتاتها وتمحيصها وترصيص أركانها، بصورة لم يزد عليها أىّ مصنّف صنّف في فلسفة الأخلاق حتى زماننا هذا. أضف إلى ذلك أنّ أبرز كتاب في الأخلاق، ظهر في اللغة الفارسيّة، هو كتاب: أخلاق ناصري، الذي ليس إلّا ترجمة لكتاب مسكويه: تهذيب الأخلاق، نقله إلى الفارسيّة نصير الدين الطوسي وكان معجبا بمسكويه وكتابه إعجابا كبيرا يعرب عنه بأبياته المعروفة التي نظمها في زمن سابق وقبل أن يقوم بترجمته، وأوّلها: «بنفسي كتاب حاز كلّ فضيلة ...» (أنظر أخلاق ناصري: ٣٦) .
إنّ هذه الألقاب والنعوت التي لقّب بها مسكويه ونعت، لهى دليل على تعدّد عناصر شخصيّته وسعة آفاقه في العلم والحكمة، تعزّزه أدلّة أخرى تتمثّل في تلك الآثار الكثيرة القيّمة التي تركها لنا، والتي نوردها هنا باختصار:
آثاره في حقول المعرفة
١. ترتيب السعادات ومنازل العلوم (الترتيب، ترتيب السعادات، ترتيب السعادات ومنازل العلوم. أنظر التهذيب: زريق: ١٥، ٣٩، ٤٩، ٩١، ١٢٤، السعادة. طبعة الطوبجى، ترتيب العادات. أنظر العاملي: ٥: ١٠)، المسعدة. أنظر: مجلس، ف ٧٠٠١ وفي الصوان هو اسم لكتاب آخر لمسكويه. وقد حقّقنا ونشرنا هذا الكتاب الصغير الحجم تحت عنوان:
ترتيب السعادات ومنازل العلوم، وذلك في «مجموعه گنجينه بهارستان»: خزانة بهارستان،
1 / 19
حكمت ١، صص ٩٧- ١٢٧، التي صدرت عن مكتبة ومتحف ومركز وثائق مجلس الشورى الإسلامى (طهران ١٣٧٩ هـ. ش/ ٢٠٠٠ م.) والكتاب شرح لمراتب السعادة الثلاث وتحديد دقيق لمراتب العلوم حسب مدرسة أرسطو وقيمتها في الرقىّ بالإنسان نحو السعادة والكمال الإنسى (التهذيب: ١٥) .
٢. الفوز الأصغر (الفوز الصغير. أنظر الصوان، بدوي: ٣٤٧، والقفطي: ٣٣٢) وقد يسمّى الكتاب باسم آخر هو: كتاب الجواب عن المسائل الثلاث. اختصر إقبال اللاهورى نظام مسكويه الفلسفي من خلال الفوز الأصغر، وقال: «إنّى أطرح الفلسفة الأولى لمسكويه التي لا شك أنّها أكثر انتظاما من فلسفة الفارابي، كما استبدل الفلسفة الأفلاطونيّة الحديثة لابن سينا، بالخدمة الأصيلة التي أدّاها مسكويه تجاه فلسفة بلاده.» (أنظر: سير فلسفه در ايران: ٣٣) .
٣. الهوامل والشوامل. وقد استعار أبو حيّان التوحيدي كلمة الهوامل لأسئلته المبعثرة التي تنتظر الجواب (١٧٥ مسألة) واستعمل مسكويه كلمة الشوامل في الإجابات التي أجابه بها، فضبط بها هوامل أبى حيّان التي كانت كالإبل المسيّبة، لأنّ الشوامل هي الحيوانات التي تضبط الإبل الهوامل فتجمعها (أنظر أمين، المقدمة ص «ج») .
٤. تهذيب الأخلاق (كتاب الطهارة، كتاب طهارة النفس، طهارة الأعراق. أنظر نشرة زريق: ٩١، ١٠٤) أمّا تهذيب الأخلاق اسم أطلقه مسكويه أيضا على هذا الكتاب في كتابه الآخر: جاويدان خرد (أنظر نشرة دانش پژوه: ٢٤) . وقد اتخذ اسم الكتاب أشكالا مختلفة في مخطوطات الكتاب. نقله نصير الدين الطوسي إلى الفارسية وسمّاه: أخلاق ناصري، كما قال فيه وفي مؤلّفه أبياته الأربعة المعروفة، إعجابا بهما. ونقله أبو طالب الزنجاني أيضا وبعده السيدة العالمة نصرت أمين إلى الفارسية، كما نقله زريق إلى الإنجليزية (بيروت ١٩٦٨ م) وأركون (M.Arkoun) إلى الفرنسية (دمشق، المعهد الفرنسى ١٩٦٩ م) . والكتاب يتألّف من ستّ مقالات هي: الأولى في مبادئ الأخلاق، والثانية في الخلق وتهذيبه والكمال الإنسانى وسبيله، والثالثة في الخير وأقسامه، والسعادة ومراتبها، والرابعة في العدالة، والخامسة في المحبّة والصداقة، والسادسة في صحّة النفس وحفظها.
1 / 20
٥. الفوز الأكبر (الكبير) ليس للكتاب أثر في فهارس الكتب المطبوعة، بيد أنّ هناك رأيّا قائلا بكون الفوز الأكبر وتهذيب الأخلاق كتابا واحدا، وليس كذلك، لدلائل أقمناها في بحثنا المستقلّ عن مسكويه. ونكتفي هنا بالقول: إنّ أبا سليمان أورد العنوانين لكتابين مختلفين (أنظر الصوان: ٣٤٧) .
٦. فوز السعادة (نور السعادة. أنظر العاملي ١٠: ١٤٦) . نرجّح أن يكون الشبه القريب بين «فوز» و«نور» قد أدّى إلى تصحيف جعل صاحب ريحانة الأدب (٨: ٢٠٨) يعدّهما عنوانين لكتابين مختلفين وهما كتاب واحد. كما أنّ موضوع الكتاب يظهر من عنوانه بجلاء.
٧. رسائل فلسفية. محفوظة في مجموعة راغب باشا تحت رقم ١٤٦٣. وهذه الرسائل مختصرة تبلغ صفحاتها ٣٢ صفحة وتتراوح بين صفحة واحدة و١٦ صفحة وعناوينها هي:
أ. رسالة في اللّذّات والآلام، ب. رسالة في الطبيعة، ج. رسالة في جوهر النفس والبحث عنها، د. رسالة في العقل والمعقول، هـ. رسالة في النفس والعقل، ورسالة في إثبات الصور الروحانية التي لا هيولى لها، ز. ما الفصل بين الدهر والزمان.
٨. رسالة في ماهيّة العدل. العنوان الكامل لها كما جاء في مستهلّ المخطوطة الموجودة في مشهد (١: ٤٣، ٤٤/ ١٣٧) هو: رسالة الشيخ أبى على أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه إلى على بن محمد أبى حيّان الصوفي، في ماهيّة العدل وبيان أقسامه.
٩. جاويدان خرد. قال مسكويه عنه:
«... فهذه جمل نحكمها قبل تفصيلها بالجزئيات، ولولا أنّا قد أحكمنا لك الأصول كلّها في كتابنا الموسوم بتهذيب الأخلاق، لأوجبنا لك إيرادها هاهنا، ولكن هذا كتاب غرضنا فيه إيراد جزئيات الآداب بمواعظ الحكماء من كلّ أمّة ونحلة، وتبعنا فيه صاحب كتاب جاويدان خرد [أحد ملوك الفرس الأقدمين] كما وعدنا به في أوّله، ولأنّ موضوع الكتاب الأوّل كتاب فارسىّ، وجب أن نبدأ بآداب الفرس ومواعظهم، ثمّ نتبعها بآداب الأمم الآخرين.»
1 / 21
فإذن، القسم الأوّل للكتاب بنى على جاويدان خرد من تأليف قدامى الفرس، والقسم الثاني هو آداب الأمم الأخرى، بدأها بآداب الفرس المتأخرين (إلى ما قبل الإسلام) . وأمّا آداب الأمم الأخرى فهي: آداب الهند، آداب العرب، آداب الروم (منها لغزقابس)، حكم الإسلاميين.
١٠. آداب الدنيا والدين. ذكره العاملي (١٠: ١٤٥) وصاحب الذريعة (١: ٣٨٧) بفارق أنّ الأخير ضبطه «أدب الدنيا والدين» ومصدرهما صاحب الروضات الذي نقل بدوره عن النراقي في الخزائن. كلّ ما نقله الخوانساري بشأن هذا الكتاب هو ما أورده في حاشية الروضات (١: ٢٥٥) وهذا نصّه:
«وقال المحقّق النراقي في كتابه الخزائن: قال (ابن) مسكويه في كتاب آداب الدنيا والدين: الفرق بين السرف والتبذير، أنّ السرف هو الجهل بمقادير الحقوق، والتبذير هو الجهل بمواقع الحقوق. انتهى.» .
ثم قال صاحب الروضات: «وظنّى أنّ الغالب على كتابه هذا الذي لم نذكره في المتن، متون اللغة، وأصول المعرفة مع شيء من مراسم الشريعة وأحاديث العلم والحكمة، فيلاحظ إن شاء الله منه ره.» ١١. أنس الفريد. هذا هو عنوانه عند أبى سليمان في الصوان: (٢٤٧)، وياقوت (٥: ١٠) والقفطي (٣٣١) والشهرزوري (أنظر عزّت: ١٤٤)، وعنوانه: نديم الفريد، عند كلّ من الخوانساري (١: ٢٥٥) والعاملي (١٠: ١٤٦) .
قال ياقوت: «وله كتاب أنس الفريد وهو مجموع يتضمّن أخبارا وأشعارا وأمثالا غير مبوّب» .
وقال القفطي: «فمن تصانيفه كتاب أنس الفريد وهو أحسن كتاب صنّف في الحكايات القصار والفوائد اللّطاف.» قال آدم متز (١: ٤٦٨)، وذلك بعد أن تحدّث عن تطور القصص المسلّية والأسمار الأجنبيّة الظاهرة في فنّ القصة منذ القرن الثالث، قال: «وأخيرا جاء دور مسكويه، وكان أكبر مؤرّخى القرن الرابع، فألّف كتاب أنس الفريد وهو أحسن كتاب صنّف في الحكايات القصار
1 / 22
والفوائد اللّطاف. وهذه القصص الجديدة، هي من نوع يغاير كلّ المغايرة القصص القديمة التي ألّفها ابن قتيبة وصاحب العقد، ففيها نجد ولأوّل مرّة تمام الأسلوب القصصى الإسلامى، أعنى طريقة القصص التي ليست عربيّة خالصة.» ١٢. الخواطر (أنس الخواطر؟) . ذكره أبو سليمان في الصوان باسم الخواطر ونقل منه نصّا تدلّ على أن الكتاب في النفس، وأنّها جوهر بجهة وعرض بجهة، وما إلى ذلك.
١٣. حقائق النفوس. هكذا ورد عند العاملي (١٠: ١٤٦) وتبعا له في ريحانة الأدب (٨:
٢٠٨) وهو مجال آخر لدراسات مسكويه النفسيّة.
١٤. كتاب السياسة للملك (العاملي ١٠: ١٤٦، والخوانساري ١: ٢٥٥) ذكره مسكويه في التهذيب. ذكر السيد حسن الصدر في كتابه التأسيس (ص ٣٨٤) كتابا لمسكويه بعنوان:
كتاب السياسة السلطانيّة. ونحن نظنّ أنّه ليس غير كتاب السياسة للملك.
١٥. المستوفى في الشعر. ذكر هذا الكتاب بنفس العنوان عند كلّ من أبى سليمان (ص ٢٤٧) وياقوت (٥: ١٠) . وذكره الشهرزوري (ص ٧٦، عزّت: ١٤٤)، والعاملي (١٠: ١٤٥) .
ولكنّ الخوانساري ذكره بوصفه لا بعنوانه. فقال عند إحصاء آثار مسكويه «... كتاب في مختار الأشعار» فأصبح ذلك عنوانا للكتاب عند صاحب الريحانة (٨: ٢٠٨) . ذكره أبو سليمان قائلا: «المستوفى في الشعر المشتمل على حلّ المختار منه.» ١٦. الرسالة المسعدة. ذكره مسكويه في التهذيب بنفس العنوان كما ذكره أبو سليمان (ص ٢٤٧) بعنوان «رسالة المسعدة» دون أىّ شرح له ولكن عنوان الرسالة- لو فرضنا أنّه لكتاب غير ترتيب السعادات، (أنظر رقم ١) - فإنّه ينطق بكونها دراسة في مسألة السعادة، لا سيّما بالنظر إلى ما نعرفه عند مسكويه من الاهتمام بموضوع السعادة.
١٧. فوز النجاة. ذكر الكتاب عند بعض من درس مسكويه هامشيّا بعنوان: فوز النجاة في الاختلاف (الأخلاق) . يمكن أن يكون عنوانا ثانيا لكتابه الآخر المسمى فوز السعادة، ولكنّنا لا نستبعد أن يكون عنوانا لكتاب على حدة، بالنظر إلى كثرة ما كتبه مسكويه خصيصا في علم النفس والأخلاق.
١٨. كتاب السير. ذكره ياقوت (٥: ١٠) كما عرّفه باختصار قائلا: «... وكتاب السير،
1 / 23
أجاده، ذكر فيه ما يسيّر به الرجل نفسه من أمور دنياه. مزجه بالأثر، والآية، والحكمة، والشعر.» هذا كلّ ما أورده ياقوت ونقل عنه العاملي بتمامه (العاملي ١٠: ١٤٦) .
١٩. كتاب الجامع. ورد بنفس العنوان عند كلّ من ياقوت (٥: ١٠) والعاملي (١٠:
١٤٦) . رجّح عزّت (ص ١٤٠) أنّه في الطبّ. إن كان هذا صحيحا يمكن القول: إنّه أجمع من كتاب الرازىّ المسمّى بالحاوى، لأنّ مسكويه درس الرازي وأكبّ على كتبه، ثم كتب هذا الكتاب في ضوء اجتهاداته بعد تلك الدراسة.
٢٠. كتاب في تركيب الباجات من الأطعمة (كتاب الطبيخ. أنظر ابن أبى أصيبعة ص ٢٤٥) . قال القفطي (ص ٣٣٢) وذلك عند إحصائه لكتب مسكويه الطبيّة: «.. وكتاب في تركيب الباجات من الأطعمة، أحكمه غاية الإحكام، وأتى فيه من أصول علم الطبيخ وفروعه بكلّ غريب حسن.» وقد ذكر الكتاب عند البعض بعنوان: كتاب البطيخ! وهو تصحيف لا محالة.
٢١. كتاب الأشربة. ذكره ابن أبى أصيبعة (ص ٢٤٥) بنفس العنوان، كما ذكره العاملي (١٠: ١٤٦) بقوله: «كتاب الأشربة وما يتعلق بها من الأحكام الطبيّة.» واختصره أمين الدولة ابن التلميذ (ابن أبى أصيبعة ١/ ٢٧٦) .
٢٢. كتاب في الأدوية المفردة. هذا الكتاب تفرّد بذكر اسمه القفطي (ص ٣٣٢) فلم يذكره غيره من المترجمين لمسكويه، من أمثال ابن أبى أصيبعة الذي ذكر بعض آثاره في الطبّ والعلاج.
٢٣. مختصر النبض. كتاب في الطب، كتب لعضد الدولة البويهي، وهو متنازع فيه بين ابن سينا وبين أبى على مسكويه، أو أبى على مندويه. أمّا انتساب الكتاب إلى ابن سينا فمردود، لأنّه كان طفلا عمره سنتان عند ما مات عضد الدولة، ولذلك ذهب فيلسوف الدولة صاحب كتاب مطرح الأنظار إلى أنّ الكتاب لأبى على مسكويه أو لأبى على مندويه (أنظر الگود، تاريخ پزشكى ايران ص ٢٨٠) .
٢٤. رسالة في المحرّك والمتحرّك. ذكرها مسكويه في كتاب العقل والمعقول.
٢٥. رسالة في الحكمة النادرة. ذكرها دفّاع في كتاب اسهام العرب (ص ١٤٨) .
1 / 24