وحين انصرف عبد المعين قال حفني: أدخل سيارتك في الجراج وقل لهم أن يتركوه مفتوحا. - معقول! الجراج بعيد عن مدخل البيت. - طبعا. •••
كان الليل حالك الظلمة، وكانت آلة الإنارة قد توقفت تماما في عزبة الوسيمي، وأصبح البيت قطعة من ظلام لم تجرؤ الأشعة المتخافتة من ضوء مصباح الغاز المتروكة في البهو أن تعدو على حلكته أو أن تبدد شيئا من قتامته.
ولكن ضوء سيارة اخترق الظلام واعتدى على هذه الحلكة بنور جريء جرأة صاحب الحق، وهب الثلاثة في بيت الوسيمي وهم يعرفون من صاحب السيارة والنور.
واقتحم حفني الحجرة على شوقي وأحلام وألقى أوامره في سرعة وحسم: أحلام خذي بدلتي هذه والبسيها، وأنت البس هدومك وانزلا فورا من باب الخدم إلى الجراج، وسأشغل أنا عبد الصادق حتى تخرجا بالسيارة إلى مصر، واذهب أنت يا شوقي إلى بيتك، أما أنت يا أحلام فعودي إلى بيتك واتفقي مع صديقة لك في أي بلد أن تقول إنها دعتك فذهبت إليها. أسرعا. اسمعي أليس لك صاحبة ليست في القاهرة. - المنصورة. - حلوة، هيا.
وبسرعة نادى عبد المعين وأمره أن يرتب فراش شوقي، وأن يترك فراشه مهوشا كما هو، ونزل إلى الطابق الأول. - أهلا عبد الصادق بك. - أهلا بك يا حفني بك. أهكذا؟ - أهكذا ماذا؟ - أتقبل أن تكون هذه صنعتك؟ - يا ترى أنت متأكد أنك قصدت إلى الشخص المطلوب؟ - لا شك في هذا. - ومن هو الشخص المطلوب؟ - حفني الوسيمي. - في عزبتي والساعة تقترب من الثانية صباحا؟ - أتظن أنني أفعل مثل هذا إلا لسبب خطير؟ - متصل بي أنا؟ - طبعا. أين زوجتي يا حفني؟ أين أحلام؟ - أحلام! معي أنا؟ - مع صاحبك شوقي. - وأنا ما شأني؟ - أنت تخفيهم عندك. - وإذا كان هذا صحيحا فكيف عرفت؟ - اقرأ.
ولم يكن حفني في حاجة إلى أن يقرأ، فقد أدرك أن توقع شوقي قد صح، فأخذ الورقة ثم رفع بصره إلى عبد الصادق: ورقة من مجهول تجعلك تأتي في الثانية صباحا إلى بيت وزير من وزراء الدولة لتتهم أخاه أنه يتستر على جريمة زنا؟! - كان على أخي الوزير أن يبقي بيته وبيت أخيه شريفا. - وهل سمعت عن حلمي غير ذلك؟ - عن حلمي لا. أما عن أخي حلمي فإنه يستطيع أن يصنع أي شيء. - تهمة مثل هذه عندنا نحن الفلاحين لا يمحوها إلا الدم يا عبد الصادق بك. - إذا لم تكن صحيحة. - أنت تحتاج إلى إثبات. - اسمح لي أن أمر بغرف البيت. - الطابق الأسفل نعم، أما الطابق الأعلى فهيهات أن تخطو إليه رجل غريبة. - ما غريب إلا الشيطان يا سعادة البك يا أخا سعادة الباشا. - اخرس. - تخفيهما في الطابق الأعلى وتقول لا تطؤه رجل، لا وحياة والدك لئن لم أصعد إلى الطابق الأعلى لأبلغن البوليس فورا. - أتظن أن البوليس يجرؤ على التهجم على بيت وزير وعضو نواب دون أمر بالتفتيش ورفع الحصانة من مجلس النواب أيضا؟ - أبلغ وزير الداخلية ووزير الحقانية، شرفي يا هوه، شرفي يا عالم. - أتظن أنك تصون شرفك بهذه الضجة؟ - هذا شأني أنا. - اسمع يا عبد الصادق، أنا لا أخشى التهديد، ولكن لأنني إنسان وأدرك الحالة التي أنت فيها سأصعد معك إلى الطابق الأعلى، ولكن قل لي، إذا لم نجد أحدا كيف ستعتذر؟ - الذي جعلك تقدر حالتي من الثورة سيجعلك تقدر حالتي من الخجل. - وهو كذلك، تفضل.
وطبعا لم يجدا أحدا.
الفصل الثالث عشر
ربما خيل إليك بما قدمته لك عن حفني أنك عرفته من كل جوانبه، ولكن هيهات؛ فإن حفني هذا دنيا بأكملها، وهيهات لأحد أن يحيط بدنيا. بحر هو متلاطم الأمواج لا يقر له قرار ، وأعجب ما فيه أنه لا يتحمس لشيء في الوجود، ولا يأخذ شيئا مأخذ الجد إلا متع الحياة، وليس يعنيه مصدر المتعة، وإنما يعنيه أن يحصل عليها في أي مظنة لها.
وقد رأيناه يبيع أرضه ليلعب القمار، ولم يكن ذلك منه تحمسا للقمار وإنما احتقارا للتملك مع حب شديد للمال لا ليكنزه وإنما لينفقه ويستمتع به، وليس يهمه أن ينفق كل ما يملك في سبيل لحظة واحدة من المتعة الحقيقية. وهو لا يعرف في الدنيا مشاعر، فهو لم يستطع أن يكره أحدا. وشعوره نحو أخيه شعور من نوع عجيب، فهو يعلم أن انتسابه إلى أخيه هذا يمكنه أن يحصل على أنواع من المتعة، هيهات أن يستطيع الوصول إليها إذا لم يكن أخا لحلمي باشا.
ناپیژندل شوی مخ