صاح ستان: «ليلة سعيدة.» سقط في نوبة الضحك الأخيرة من فوق حافة السرير وتدحرج على الأرض. ذهب جيمي إلى النافذة ونظر أسفل سلم الطوارئ إلى الزقاق. لقد رحل أوجليثورب. كانت السماء تمطر بغزارة. وتصاعدت رائحة الطوب الرطب من جدران المنازل. «يا للهول، ألم يكن هذا أكثر الأشياء جنونا؟» رجع إلى غرفته دون النظر إلى ستان. مرت به إلين عند الباب بخفة كالحرير.
استهلت حديثها، قائلة: «إنني في غاية الأسف يا جيمي ...»
أغلق الباب بقوة في وجهها وأوصده. قال مطبقا على أسنانه: «الحمقى اللعناء يتصرفون كالمجانين. ما ظنك في هذا بحق الجحيم؟»
كانت يداه باردتين ومرتعشتين. سحب عليه بطانية. استلقى يستمع إلى إيقاع المطر المطرد ورشات المجاري المهسهسة. وكانت نفحة من ريح تهب من حين لآخر برذاذ بارد خافت في وجهه. ولا تزال تتسلل إلى الغرفة الرائحة الفجة لخشب الأرز السريع العطب من شعرها الكثيف الملفوف، وذكرى نعومة جسدها حيث جثمت ملفوفة ومختبئة في ملاءة السرير. •••
جلس إد تاتشر إلى نافذته الناتئة وسط صحف يوم الأحد. كان شعره أشيب وثمة طيات عميقة في وجنتيه. وكانت الأزرار العليا لبنطاله من حرير البنجي الصيني مفكوكة من أجل راحة كرشه الصغير الذي ظهر فجأة. جلس إلى النافذة المفتوحة ينظر إلى الخارج على الأسفلت اللافح عند نهاية التدفق اللانهائي من السيارات التي أصدرت زئيرا في كل اتجاه، مارة بصفوف المتاجر من الطوب الأصفر والمحطات من الطوب الأحمر أسفل الأفاريز التي تومض فوقها بلمعة خافتة في الشمس بأحرف ذهبية على خلفية سوداء: «باسيك.» انبعثت من الشقق القريبة قعقعة أنين آلات الفونوغراف التي يسمعها يوم الأحد، وكانت تصدع بأغنية «إنه دب» (اتس أبير). وكذلك سداسية من أوبرا «لوسيا دي لاميرمور»، ومختارات من المسرحية الموسيقية «فتاة الكويكرز» (ذا كويكر جيرل). كان قد وضع على ركبتيه صحيفة «نيويورك تايمز» مفتوحة على قسم المسرح. نظر للخارج بعينين مغبشتين إلى الهواء الحار الخافق شاعرا بضيق في ضلوعه وألم يقطع الأنفاس. كان قد قرأ لتوه فقرة في نسخة مشينة من صحيفة «تاون توبيكس». •••
كثرت الأقاويل على الألسنة الخبيثة حول الحقيقة التي لا يمكن إنكارها، وهي رؤية سيارة ستانوود إيميري تقف كل ليلة خارج مسرح نيكربوكر ولا تبرح مكانها حسبما يقولون قبل أن تستقل ممثلة شابة فاتنة تقترب سريعا في مسيرتها الفنية من مستوى النجومية. هذا الشاب نفسه، الذي يرأس والده إحدى شركات المحاماة الأكثر مرموقية في المدينة، والذي ترك لتوه هارفارد بسبب ظروف مؤسفة بعض الشيء، لطالما أثار ذهول الأهالي لوقت طويل بأفاعيله التي نثق في أنها لا تتعدى كونها نتيجة حماس روح صبيانية. واللبيب بالإشارة يفهم.
رن جرس الباب ثلاثا. أسقط إد تاتشر الصحيفة وأسرع مرتجفا إلى الباب. «لقد تأخرت كثيرا يا إيلي. خشيت ألا تأتي.» «ألا آتي دائما عندما أقول إني آتية يا أبي؟» «بالطبع تفعلين ذلك يا عزيزتي.» «كيف حالك؟ وكيف هي الأحوال في العمل؟» «السيد ألبيرت في إجازته ... أظن أنني سآخذ إجازتي عندما يعود. ليتك تأتين معي إلى سبرينج ليك لبضعة أيام. هذا سينعشك.» «ولكن لا أستطيع يا أبي.» ... خلعت قبعتها وأسقطتها على الأريكة العريضة. «انظر، لقد أحضرت لك بعض الورود يا أبي.» «ذكرتني؛ إنها ورود حمراء كالتي كانت أمك تحبها. أعترف أنها كانت لفتة غاية في الجمال منك ... ولكني لا أحب أن أذهب وحدي في الإجازة.» «أوه، ستقابل الكثير من الأصدقاء يا أبي، أنا واثقة من ذلك.» «لم لا تأتين لأسبوع واحد فقط؟» «أولا ينبغي أن أبحث عن عمل ... سينطلق العرض في جولته ولست معهم حتى الآن. هاري جولدوايزر غاضب بشدة بسبب هذا الأمر.» رجع تاتشر للجلوس إلى النافذة الناتئة وبدأ يكدس صحف يوم الأحد فوق كرسي. «يا إلهي، يا أبي، ماذا تفعل بحق السماء بتلك النسخة من صحيفة «تاون توبيكس»؟» «أوه، لا شيء. لم أقرأها قط؛ فما أحضرتها إلا لأرى شكلها.» تورد وجهه وضغط شفتيه عندما دفع بها وسط صحيفة «نيويورك تايمز». «ما هي سوى صحيفة تمارس الابتزاز.» كانت إلين تتجول في أنحاء الغرفة. وقد وضعت الورود في زهرية. وكانت تنتشر منها برودة لاسعة عبر الهواء المثقل بالغبار. «هناك شيء أريد أن أخبرك به يا أبي ... سنتطلق أنا وجوجو.» جلس إد تاتشر واضعا يديه فوق ركبتيه وأطبق شفتيه ولم ينبس. كان وجهه رماديا وداكنا، يكاد يقترب من لون بذلته الحريرية المزركشة. «ليس ثمة ما يقلق. قررنا ببساطة أنه لا يمكننا التوافق معا. الأمر برمته سيسير بهدوء وبأكثر الأساليب المتفق عليها ... جورج بالدوين صديقي سيتولى إدارة الأمر بالكامل.» «هو وشركة إيميري آند إيميري؟» «أجل.» «همم.»
لاذا بالصمت. مالت إلين كي تستنشق الورود. فرأت دودة قياسية خضراء صغيرة بعرض ورقة برونزية اللون. «صراحة، إنني مولعة بشدة بجوجو، ولكن العيش معه يفقدني صوابي ... أدين له بالكثير، أعلم ذلك.» «ليتك لم تريه يوما.»
تنحنح تاتشر وأشاح بوجهه عنها كي ينظر من النافذة إلى شريطين لا متناهيين من السيارات التي مرت بمحاذاة الطريق أمام المحطة. انبعث منها الغبار وعلا، وبدا اللمعان الزاوي للزجاج كالمينا والنيكل. وأصدرت الإطارات حفيفا فوق الحصى المزيت. ألقت إلين بنفسها فوق الأريكة العريضة، وتركت عينيها تشردان وسط الورود الحمراء الباهتة على السجادة.
رن جرس الباب. «سأذهب يا أبي ... كيف حالك يا سيدة كالفيتير؟»
ناپیژندل شوی مخ