تقاطع طرف سيجار وامض مع باب الكوخ. أمسك هارلاند بمصباحه وخرج. رفع المصباح في وجه شاب أشقر غليظ الأنف والشفتين يضع سيجارا في جانب فمه. «كيف دخلت هنا؟» «كان الباب الجانبي مفتوحا.» «أكان كذلك حقا بحق الجحيم؟ عمن تبحث؟» «هل أنت الحارس الليلي هنا؟» أومأ هارلاند. «سررت بمعرفتك ... خذ سيجارا. أريد أن أتمشى معك قليلا فحسب، أترى؟ ... أنا منظم في النقابة المحلية 47، أترى؟ أرني بطاقة عضويتك.» «لست عضوا في النقابة.» «حسنا، ستكون، ألست ... نحن رجال مهنة البناء يجب أن نتكاتف معا. إننا نحاول تنظيم كل من حراس الليل إلى المفتشين في مجموعات لبناء جبهة صلبة في وجه موقف التعليق الحالي هنا.»
أشعل هارلاند سيجاره. «اسمع يا أخي، أنت تضيع وقتك معي. سيحتاجون دائما حارسا ليليا، سواء في وجود إضراب أم لا ... أنا رجل كبير السن ولم يعد لدي الطاقة الكافية للنزاع. هذه هي أول وظيفة محترمة أحصل عليها منذ خمس سنوات، ومستحيل أن أتركها ... مثل تلك الأمور للشباب أمثالك. لست معكم في هذا الأمر. أنت تضيع وقتك لا ريب إذا كنت تتجول محاولا تنظيم حراس الليل.» «يمكنني القول إن طريقة حديثك لا تنم عن أنك قديم في هذا العمل.» «حسنا، ربما لست كذلك.»
خلع الشاب قبعته وحك رأسه فوق جبهته ولأعلى عبر شعره الكثيف المقصوص. «يا للهول، إن النقاش في العمل يجعلك متحيرا ... ولكنها ليلة طويلة، أليس ذلك؟»
قال هارلاند: «أوه، إنها ليلة لا بأس بها.» «اسمع، اسمي أوه كيفي، جو أوه كيفي ... حسنا، أراهن أنه بإمكانك أن تخبرني بكثير من الأشياء.» مد يده. «اسمي جو أيضا ... هارلاند ... كان هذا الاسم قبل 20 عاما يعني الكثير لدى الناس.» «20 عاما من الآن ...» «اسمع، تبدو غريبا على أن تكون مندوبا متجولا ... خذ نصيحة من رجل هرم قبل أن أخرجك من قطعة الأرض، واترك هذا العمل ... إنه عمل لا يناسب شابا مثلك يريد أن يشق طريقه في الحياة.» «الزمن يتغير كما تعلم ... ثمة رجال كبار يدعمون الإضراب هنا، أترى؟ كنت أناقش الوضع مع النائب ماك نيل بعد الظهيرة اليوم في مكتبه.» «ولكني أخبرك بلا مواربة أنه إذا كان ثمة شيء واحد سيفسدك في هذه المدينة فهو أمر العمال هذا ... ستتذكر يوما ما أن رجلا هرما مخمورا أخبرك بذلك، وسيكون الوقت قد فات.» «أوه، هذا من أثر الشراب، أليس كذلك؟ ذلك شيء لا أخشاه. فأنا لا أمس الشراب، باستثناء الجعة كي أكون اجتماعيا مع الناس.» «اسمع يا أخي، سيجري مفتش الشركة جولته قريبا. ومن الأفضل أن تغادر المكان.» «لست خائفا من أي مفتش شركة لعين ... حسنا، إلى اللقاء، سآتي لرؤيتك مرة أخرى يوما ما.» «أغلق ذلك الباب خلفك.»
صب جو هارلاند بعضا من الماء من وعاء معدني، واستقر في كرسيه، ومد ذراعيه وتثاءب. إنها الحادية عشرة. كانوا يخرجون لتوهم من المسارح، الرجال بملابس السهرة، والفتيات بالفساتين ذات الياقات المنخفضة، وكان الرجال عائدين إلى المنزل إلى زوجاتهم وعشيقاتهم، كانت المدينة ذاهبة إلى النوم. علت أصوات أبواق سيارات الأجرة وتعالى الضجيج خارج السياج، وتلألأت السماء بمسحوق ذهبي من أثر اللافتات الكهربائية. أسقط عقب السيجار وسحقه بعقبه فوق الأرضية. ارتجف ونهض، ثم خطا ببطء حول حافة أرض المباني مؤرجحا مصباحه.
باللون الأصفر الباهت صبغ الضوء القادم من الشارع لافتة كبيرة كانت صورة لناطحة سحاب بيضاء بنوافذ سوداء أمام السماء الزرقاء والسحب البيضاء. «سيجال وهاينز» سيشيدون في هذا الموقع «مبنى مكتبيا من 24 طابقا» حديثا ومواكبا للعصر، يفتح للإشغال في يناير 1915 ولا تزال هناك مساحات متاحة للإيجار، للاستعلام ... •••
جلس جيمي هيرف يقرأ على أريكة خضراء أسفل مصباح أضاء ركنا في غرفته الواسعة الفارغة. وصل إلى الجزء الذي مات فيه أوليفيه في رواية «جون كريستوفر» وقرأه بغصة في الحلق. زحف في ذاكرته صوت دوار نهر الراين، ناحتا بلا هوادة أرض حديقة المنزل الذي ولد فيه جون كريستوفر. كانت أوروبا في مخيلته حديقة خضراء زاخرة بالموسيقى والأعلام الحمراء ومسيرات الحشود. من حين لآخر كان يسمع صوت قارب بخاري يصفر من جهة البحر ويستقر في الغرفة في سكون ونعومة كالثلج. أتت من الشارع قعقعة سيارات الأجرة وصوت عواء الترام.
سمع طرقا على الباب. نهض جيمي، وكانت عيناه مغبشتين وساخنتين من أثر القراءة. «مرحبا يا ستان، من أين أتيت بحق الجحيم؟» «إنني في حالة سكر شديدة يا هيرف.» «ليس بالشيء الجديد.» «كنت فقط أريد أن أعطيك تقرير الطقس.» «حسنا، ربما يمكنك أن تخبرني عن السبب وراء أن أحدا في هذا البلد لا يفعل شيئا على الإطلاق. فلا أحد يؤلف الموسيقى أو يشرع في ثورة أو يقع في الحب. كل ما يفعله الجميع هو السكر وحكي الروايات البذيئة. أظن أنه أمر مقزز ...» «يا أنت ... تحدث عن نفسك. سأتوقف عن الشرب ... فلا فائدة من الشرب، وقد أصبح الشراب رتيبا ... أخبرني، ألديك حوض استحمام؟» «بالطبع هناك حوض استحمام. شقة من هذه في ظنك، شقتي؟» «حسنا، لمن هي يا هيرف؟» «إنها لليستير. أنا أعتني بها فحسب أثناء وجوده بالخارج، ذلك الكلب المحظوظ.» شرع ستان في خلع ملابسه تاركا إياها تسقط في كومة حول قدميه. «مرحى، أريد أن أذهب للسباحة ... لماذا بحق الجحيم يعيش الناس في المدن؟» «لماذا أستمر في إطالة وجودي التعس في هذه المدينة المجنونة المصابة بالصرع؟ ... ذلك ما أريد معرفته.»
قال ستان بصوت ذي خوار وهو يقف فوق كومة ملابسه، ببشرة بنية وعضلات مستديرة مشدودة، متأرجحا بعض الشيء من أثر السكر: «فلتدل الضابط الروماني هوراشيوس على الحمام أيها العبد.» «إنه مباشرة عبر هذا الباب.» سحب جيمي منشفة من صندوق القارب البخاري في ركن الغرفة، ورماه وراءه ورجع إلى القراءة.
اندفع ستان عائدا إلى الغرفة، والماء يقطر من جسمه، متحدثا وهو ملفوف بالمنشفة. «أتدري، لقد نسيت أن أخلع قبعتي. وانظر يا هيرف، هناك شيء أريدك أن تفعله من أجلي. هل تمانع؟» «بالطبع لا. ما الأمر؟» «هل تسمح لي باستخدام غرفتك الخلفية الليلة، هذه الغرفة؟» «بالطبع يمكنك ذلك.» «أعني بصحبة أحد.» «افعل ما تريد. يمكنك أن تحضر جوقة وينتر جاردن بأكملها هنا ولن يراهم أحد. وهناك مخرج طوارئ أسفل السلم الخلفي يصل إلى الزقاق. سأذهب لأنام وأغلق الباب كي تتمكن من استخدام هذه الغرفة والحمام لك وحدك.» «أعلم أن الأمر يثقل عليك ولكن زوجها عنيف الطبع وعلينا أن نكون شديدي الحذر.» «لا تحمل هم الصباح. سأتسلل خارجا في الصباح الباكر ويمكنك أن تحظى بالمكان لنفسك.» «حسنا، سأرحل، إلى اللقاء.»
ناپیژندل شوی مخ