جلسا متجاورين مقهقهين على حافة السرير. وعبر الرائحة المكتومة للغرفة المليئة بالقطع الحريرية الصغيرة للملابس الساقطة من فوق الكراسي، جاءت انتعاشة خافتة من باقة زهور صفراء موضوعة على المنضدة. التف ذراع كل منهما حول كتف الآخر؛ فانحنى نحوها ليقبل فمها. قال لاهثا: «يا له من لص!» «ستان ...» «إيلي.»
تمكنت من إطلاق همسة عبر حلقها المسدود: «أظن أنه قد يكون جوجو. فذلك تصرف يشبهه تماما أن يأتي مختلس النظر متسللا.» «لا أستوعب يا إيلي كيف يمكنك العيش معه من بين جميع الناس. أنت جميلة للغاية. لا يمكنني أن أتخيلك في كل هذا.» «لم يكن الأمر بهذه الصعوبة قبل أن أقابلك ... وصدقا فإن جوجو لا بأس به. كل ما هنالك أنه شخص غريب الأطوار وتعيس للغاية.» «ولكنك تنتمين إلى عالم آخر يا صغيرتي المسكينة ... يجب أن تعيشي في الطابق العلوي بمبنى وول وورث في شقة من الزجاج المزخرف وأزهار الكرز.» «ستان، إن ظهرك بني بالكامل.» «ذلك من أثر السباحة.» «أمبكرا هكذا؟» «أظن أن معظمه متبق من الصيف الماضي.» «أنت شاب محظوظ تماما. لم أتعلم السباحة جيدا قط.» «سأعلمك ... اسمعي، يوم الأحد في الصباح الباكر سننطلق بدينجو في سيارتي ونذهب إلى لونج بيتش. بعيدا حيث لا يوجد أحد على الإطلاق ... حتى إنه لن يكون عليك أن ترتدي لباس السباحة.» «يعجبني كم أنت نحيف وصلب يا ستان ... إن جوجو أبيض ورخو حتى يكاد يشبه النساء.» «أرجوك لا تتحدثي عنه الآن.»
نهض ستان مباعدا بين ساقيه ومزررا قميصه. «اسمعي يا إيلي، لنخرج من هنا ونحتس شرابا ... كم أكره أن أقابل أحدا بالصدفة وأضطر أن ألفق له الأكاذيب ... أراهن أنني سأضربه في رأسه بكرسي.» «لدينا متسع من الوقت. لا أحد يأتي إلى المنزل هنا قبل الساعة الثانية عشرة ... فما أنا عن نفسي هنا إلا لأنني مصابة بصداع شديد.» «هل يروق لك صداعك الشديد يا إيلي؟» «أنا مولعة به يا ستان.» «أظن أن ذلك اللص من ويسترن يونيون قد علم ذلك ... يا إلهي ... سرقة، وخيانة زوجية، وهروب عبر سلالم الطوارئ، والتسلل كالقطط عبر المزاريب. يا للهول، يا لها من حياة رائعة!»
أمسكت إلين بقوة بيده أثناء نزولهما الدرج معا. وأمام صناديق البريد في المدخل الأجرد، انتزعها على حين غرة من كتفيها وأرجع رأسها للوراء وقبلها. انطلقا لاهثين في الشارع نحو برودواي. كانت يده أسفل ذراعها، فضغطت عليها بشدة فوق ضلوعها بمرفقها. من بعيد، كما لو كانت تشاهد حوض سمك عبر زجاج سميك، نظرت إلى الوجوه، والفواكه في نوافذ المتاجر، وصفائح الخضراوات، جرار الزيتون، والكنيفوفيات عند بائع الورد، والصحف، واللافتات الكهربائية المارة بجوارها. عندما عبرا تقاطع الطرق، لفحت وجهها نفحة هواء قادمة من النهر. رمقات أعين مباغتة ولامعة كالكهرمان الأسود أسفل قبعات قشية، وتحركات الأذقان، والشفاه النحيفة، والشفاه العابسة، والشفاه الحادة الحواف، وظلال الجوع أسفل عظام الوجنات، ووجوه الفتيات والشباب التي تخفق أمامها بأنوف مدسوسة في وجوههم كالعث، يطاردها كل ذلك وهي تسير بخطى متساوية مع خطى ستان في جو الليل الأصفر الواخز.
جلسا إلى طاولة في مكان ما. عزفت أوركسترا ألحانا. «كلا يا ستان، لا يمكنني أن أشرب أي شيء ... اشرب أنت.» «ولكن يا إيلي أليس لديك شعور رائع كما لدي؟» «بل أروع ... ولكن كل ما هنالك أنني لا يمكنني تحمل الشعور بما هو أكثر من ذلك ... لا يمكنني أن أركز ذهني على كأس فترة طويلة لأحتسيه.» جفلت من لمعان عينيه.
كان ستان سكران ومنتشيا. ظل يردد: «أود لو تنبت الأرض جسدك فاكهة تؤكل.» كانت إلين طوال الوقت تلوي بشوكتها بعض فتات الريربيت الويلزي البارد المتجلد. شعرت أنها بدأت تسقط مترنحة كأفعوانية في هوات مرتعدة من التعاسة. وفي بقعة مربعة في وسط الأرضية، كان هناك أربعة أزواج يرقصون التانجو. نهضت واقفة. «ستان سأذهب إلى المنزل. يجب أن أستيقظ مبكرا وأتدرب طوال اليوم. اتصل بي في الثانية عشرة في المسرح.»
أومأ وسكب لنفسه جرعة أخرى من الشراب. وقفت خلف كرسيه لثانية تنظر لأسفل إلى رأسه الطويل ذي الشعر الأشعث الكثيف. كان ينطق بأبيات لنفسه بصوت خفيض. «رأيت أفروديت ذات البياض العنيد، فاحشة الجمال، رأيت الشعر المنسدل والقدمين العاريتين، يا للهول ... تضوي كنار المغيب فوق مياه الغرب. رأيت القدمين المستعصيتين ... تبا للأبيات السافونية الرائعة.»
بمجرد وصولها شارع برودواي مرة أخرى، شعرت بالبهجة الشديدة. وقفت في منتصف الشارع تنتظر العربة المتوجهة إلى شمال المدينة. مرت بها مسرعة بالصدفة سيارة أجرة. من اتجاه البحر محمولا على الريح الدافئة أتى الأنين الطويل لصافرة السفينة البخارية. شعرت بداخلها وكأن أقزاما يبنون أبراجا لامعة هشة طويلة. انقضت العربة تطن فوق القضبان، ثم توقفت. عندما صعدت إليها، تذكرت منتشية رائحة جسد ستان وهو يتعرق بين ذراعيها. تركت نفسها لتتهاوى على المقعد، قاضمة شفتيها حتى لا تطلق صريخا. يا إلهي يا لفظاعة أن يكون المرء مغرما! كان هناك أمامها رجلان بوجهين صغيري الذقن كوجوه السمك الأزرق يتحدثان جذلين، ويضربان ركبيهما البدينة. «أقول لك يا جيم إن إيرين كاسيل هي من تأسرني ... فرؤيتها وهي ترقص رقصة وان ستيب تجعلني أسمع ملائكة تهمهم.» «كلا، إنها شديدة النحافة.» «ولكنها حققت أكبر نجاح على الإطلاق في برودواي.»
نزلت إلين من العربة ومشت نحو الشرق بمحاذاة الأرصفة الخاوية الخربة لشارع 105. تسربت زخمة أغطية الأسرة من المربعات السكنية للمنازل ذات النوافذ الضيقة. وعلى طول المزاريب فاحت رائحة صناديق القمامة كريهة حامضة. وفي ظل عتبة أحد الأبواب تثبت بإحكام رجل وفتاة يتمايل كل منهما في ذراع الآخر. تمنى كل منهما للآخر ليلة سعيدة. فابتسمت إلين فرحة. أكبر نجاح في برودواي. كان وقع الكلمات عليها كمصعد يرفعها فاقدة الوعي، لأعلى إلى ارتفاع مهيب حيث تطقطق اللافتات الكهربائية بالأضواء القرمزية، والذهبية، والخضراء، وحيث حدائق الأسقف البراقة التي تنبعث منها رائحة زهور الأوركيد، والخفقان البطيء لرقصات التانجو وهي ترتدي فستانا ذهبيا مخضرا ويرقص معها ستان، بينما يهب إيقاع تصفيق الملايين كعاصفة ثلجية تجتاحهما. أكبر نجاح في برودواي.
كانت تصعد الدرج الأبيض مرتقية. وأمام الباب المكتوب عليه ساندرلاند، شعرت بنفور مثير للغثيان يخنقها فجأة. فوقفت طويلا وقلبها يدق مؤرجحة المفتاح أمام قفل الباب. ثم برعشة دفعت المفتاح في القفل وفتحت الباب. ••• «إنه غريب الأطوار يا جيمي، غريب.» جلس هيرف وروث برين يقهقهون أمام أطباق المعجنات في الركن الداخلي لمطعم ذي سقف منخفض يعج بالضوضاء. «يبدو أن جميع الممثلين من ذوي الأداء المتكلف حول العالم يتناولون الطعام هنا.» «جميع الممثلين من ذوي الأداء المتكلف حول العالم يقيمون في مبنى السيدة ساندرلاند.» «ما آخر الأخبار من البلقان؟» «البلقان، اسم يليق بالمبنى ...»
ناپیژندل شوی مخ