قال اللابلاندي مغادرا: «لن يأتين، أليس كذلك؟» سدد إحدى قبضتيه الشبيهتين بالمطرقة أسفل فك الرجل في ضربة مباغتة. انزلقت قدما الرجل وارتفع بميل بين البابين المتأرجحين اللذين أغلقا عليه. فسمعت صيحة من داخل الحانة.
صاح بود صافعا الرجل على ظهره مرة أخرى: «تبا أيها اللابلاندي، تبا.»
مشبكين ذراعيهما، سارا مائلين في شارع بيرل ستريت تحت المطر الهاطل. اتسعت القضبان متلألئة أمامهما في نواصي الشوارع التي غمرتها المياه. كان الضوء الأصفر للمرايا والقضبان النحاسية والإطارات المذهبة حول صور النساء العاريات الوردية تدور وتنسكب في كئوس الويسكي التي تتجرعها بحماس رءوس سوداء مائلة، فتنز متوهجة عبر الدماء، وتفرقع بفقاقيع من الآذان والأعين، وتقطر مغمغمة من أطراف الأصابع. المنازل مرتفعة وعليها قتامة الأمطار على كلا الجانبين، وتتمايل مصابيح الشوارع كفوانيس محمولة في أحد المواكب، حتى وجد بود نفسه في غرفة خلفية مليئة بالوجوه المحتشدة ووجد امرأة على حجره. نهض ماتي اللابلاندي وذراعاه حول عنقي فتاتين، وانتزع قميصه ليظهر على صدره وشم باللونين الأحمر والأخضر لرجل وامرأة عاريين، وكانا متعانقين وملتفين بشدة كحية بحر، وعندما استنشق مالئا صدره بالهواء ولوى جلده بأصابعه، تلوى الرجل والمرأة في الوشم وضحكت جميع الوجوه المحتشدة. •••
رفع فينياس بي بلاكهيد نافذة المكتب الواسعة. ووقف ينظر إلى الميناء من الأردواز والميكا وسط الصخب غير المنتظم للمرور، والأصوات، وجعجعة المباني التي ترتفع من شوارع وسط المدينة المنتفخة والمتموجة كالدخان في الرياح العاتية المندفعة على نهر هدسون من الشمال الغربي.
نادى في توجس وريبة: «يا شميت، أحضر لي منظاري.» «انظر ...» وكان يركز المنظار على باخرة بيضاء سميكة من المنتصف وذات مدخنة صفراء مسخمة كانت بجوار جزيرة جوفرنرز. «أليست تلك باخرة أنوندا الآتية الآن؟»
كان شميت رجلا بدينا تقلص حجمه. فتدلى الجلد في تجاعيد مضنية رخوة على وجهه. نظر نظرة عبر المنظار. «إنها هي بالتأكيد.» أنزل النافذة؛ فانحسر الصخب متضائلا إلى صوت أجوف كصوت صدفة بحر. «يا للهول، لقد أسرعوا في الأمر ... سيرسون في غضون نصف ساعة ... اذهب على الفور وأحضر المحقق موليجان. لقد قبض ثمنه ... لا تدع عينيك تغفلان عنه. ماتانزاس الهرم بالخارج في حالة غضب يحاول الحصول على حكم قضائي ضدنا. إذا لم ترسل كل ملعقة من المنجنيز بحلول الغد ليلا، فسأخفض عمولتك بمقدار النصف ... أتفهم؟»
اهتز لغدا شميت المتدليان عندما ضحك. «لا يوجد خطر يا سيدي ... لا بد أنك أصبحت تعرفني جيدا الآن.» «بالطبع أصبحت أعرفك ... إنك رجل طيب يا شميت. لقد كنت أمزح فحسب.»
كان فينياس بي بلاكهيد رجلا نحيفا ذا شعر فضي ووجه أحمر كوجه الصقر، أرجع نفسه في كرسي ذي مسندين من خشب الماهوجني إلى مكتبه ورن جرسا كهربائيا. قال بصوت هادر لساعي المكتب الأشقر الشعر: «حسنا يا تشارلي، أدخلهما.» نهض متيبسا من مكتبه ومد يده مصافحا. «كيف حالك يا سيد ستورو ... كيف حالك يا سيد جولد ... خذا راحتكما ... حسنا ... اسمعا الآن، فيما يخص هذا الإضراب. إن موقف مصالح السكة الحديدية والمواني التي أمثلها يتميز بشكل فريد بالصراحة والأمانة، تعلمان ذلك ... لدي ثقة، بل يمكنني القول إن لدي الثقة الكاملة في أنه بمقدورنا تسوية هذا الأمر تسوية على نحو سلمي ومقبول ... بالطبع يجب أن تجدا معي حلا وسطا ... يعنى ، كما أعلم، بالمصالح نفسها في صميم قلوبنا، مصالح هذه المدينة الرائعة، مصالح هذا الميناء البحري الرائع ...» أرجع السيد جولد قبعته إلى مؤخرة رأسه وتنحنح بصوت نباح عال. «أيها السيدان، أمامنا أحد طريقين ...» •••
في أشعة الشمس الساقطة على حافة النافذة، استقرت ذبابة تحك جناحيها بقائمتيها الخلفيتين. نظفت نفسها بالكامل، لاوية وباسطة قائمتيها الأماميتين كشخص يغسل يديه، وفاركة أعلى رأسها ذي الفصوص بعناية لتفرش شعرها. حامت يد جيمي فوق الذبابة وصفعتها. أصدرت الذبابة أزيزا واخزا في راحة يده. تحسسها بإصبعين، وأمسك بها ببطء عاصرا إياها لتصبح هلاما رماديا مهروسا بين سبابته وإبهامه. مسحها عن يده أسفل حافة النافذة. انتابه شعور بالسخونة والإعياء. يا لها من ذبابة عجوز مسكينة، وقد نظفت نفسها جيدا كذلك! وقف طويلا ينظر بالأسفل إلى المنور عبر اللوح الذي تعلوه الأتربة حيث تكسب الشمس الأتربة بصيصا من اللمعان. ومن حين لآخر، يعبر رجل بقميص لا يرتدي أي شيء فوقه، الفناء بالأسفل حاملا صينية من الأطباق. تسمع الصياحات الصادعة بالأوامر وتأتي صلصلة غسيل الصحون خافتة من المطبخ.
حدق إلى بصيص لمعان الأتربة على لوح النافذة. أصابت أمي سكتة دماغية وسأرجع الأسبوع القادم إلى المدرسة. «قل لي يا هيرفي، هل تعلمت الملاكمة بعد؟» «هيرفي وكيد سيخوضان مباريات لبطولة وزن الذبابة قبل الانتقال إلى الوزن الخفيف.» «ولكني لا أريد.» «كيد يريد ... ها هو يأتي. كونوا دائرة هناك أيها الحمقى.» «لا أريد، أرجوك.» «اللعنة، يجب أن تذهب، سنضربكما أنتما الاثنان إذا لم تخوضا المباراة.» «حسنا يا فريدي، تلك غرامة عليك بقيمة نيكل لأنك سببت.» «اللعنة لقد نسيت.» «ها أنت ذا مرة أخرى ... ألصقه في الألواح.» «هيا يا هيرفي، أنا أراهن عليك.» «أجل، الكمه.»
ناپیژندل شوی مخ