انفجر بالدوين ضاحكا. «أخبرهم يا فيل ... سأتحدث معك عن ذلك وقتا ما. يجب أن تأتي لتناول العشاء عندما تكون سيسلي حاضرة وتحدثنا في الأمر ... عجبا، ألم يفعل باركهورست أي شيء؟» «لم أكن لأسمح له بالتدخل في الأمر. لقد بدأ يستوعب الاقتراح وتخلى عني بمجرد أن أصبحت معه الصيغة. لا آمن أن أودعه ولو نيكلا مزيفا.» «عجبا، ألم يدخلك في شراكة معه يا فيل؟» «لقد وضعني حيثما يريدني على أي حال ... إنه يعلم أنني أقوم بالعمل كله في مكتبه الملعون. ويعلم أيضا أنني غريب الأطوار للغاية في تعاملي مع معظم الناس. إنه شخص ماهر.» «ما زلت أظن أنه يمكنك طرح الأمر عليه.» «إنه يضعني حيثما يريدني وهو يعلم ذلك؛ لهذا أواصل القيام بالعمل بينما يجمع هو المال ... أظن ذلك منطقيا. إذا كان لدي المزيد من المال لأنفقته. ما أنا سوى رجل كسول.» «لكن اسمع يا رجل، أنت لا تكبرني بكثير ... ما زالت هناك مسيرة مهنية أمامك.» «بالتأكيد تسع ساعات في اليوم من الرسم الهندسي ... يا إلهي، أتمنى أن تدخل في تجارة البلاط هذه معي.»
توقف بالدوين عند أحد الأركان وصفع بيده الحقيبة التي كان يحملها. «حسنا يا فيل، تعلم أنني سأكون سعيدا للغاية لتقديم يد العون لك بأي طريقة أستطيع ... ولكن وضعي المالي في الوقت الحالي شديد التعقيد. لقد دخلت في بعض التشابكات المتهورة إلى حد ما، والرب وحده يعلم كيف سأخرج منها ... لهذا السبب لا أستطيع تحمل فضيحة أو طلاق أو أي شيء. أنت لا تفهم إلى أي مدى من التعقيد تتداخل الأشياء ... لا يمكنني الشروع في أي شيء جديد، ليس لمدة عام على الأقل. هذه الحرب في أوروبا قد جعلت الأمور غير مستقرة للغاية في وسط المدينة. أي شيء يمكن أن يحدث.» «حسنا. ليلة سعيدة يا جورج.»
غير ساندبورن اتجاهه فجأة وسار في الجادة مرة أخرى. كان متعبا وكانت ساقاه تؤلمانه. دنا الظلام. وفي طريق الرجوع إلى المحطة، مرت كتل الطوب المتسخة والحجر الأسمر الرملي مجرورة رتيبة كأيام حياته. •••
أسفل جلد صدغيها، تضيق المشابك الحديدية حتى تكاد تهرس رأسها كالبيضة، فبدأت تمشي بخطوات طويلة ذهابا وإيابا في غرفة تعج بجو خانق مثير للحكة، حيث الرقط الملونة من الصور، والسجاد، والكراسي التي تلفها كبطانية ساخنة خانقة. خارج النافذة كانت الساحات الخلفية مخططة باللون الأزرق، والأرجواني الفاتح، والياقوت الأصفر لشفق سماء ممطرة. تفتح النافذة. كان ستان يقول لا وقت أفضل للسكر من وقت الشفق. رن الهاتف كما لو كان يمد أذرعا محببة مرتعشة كأذرع الأخطبوط. تصفع النافذة. يا للجحيم، ألا يمكن أن يتركوا المرء يتمتع بأي سكينة؟ «عجبا يا هاري لم أكن أعرف أنك عدت ... أوه، ترى هل يمكنني ... أوه نعم أظن أنه يمكنني. فلتأت بعد العرض ... أليس هذا رائعا؟ يجب أن تخبرني بكل شيء عن الأمر.» بمجرد أن وضعت السماعة، رن الجرس مرة أخرى. «مرحبا ... كلا أنا لا ... أوه نعم ربما ... متى عدت؟» أطلقت ضحكات كرنين الهاتف. «ولكن يا هوارد أنا مشغولة للغاية ... نعم أنا بصراحة ... هل حضرت العرض؟ حسنا، تعال وقتا ما بعد العرض ... أنا متلهفة للغاية لسماع أخبار رحلتك ... كما تعلم ... وداعا يا هوارد.»
سيجعلني التنزه أشعر بتحسن. تجلس إلى طاولة زينتها وتهز شعرها لأسفل حول كتفيها. «يا له من مصدر إزعاج جهنمي، أود أن أنهي كل ذلك ... الأمر ينتشر بسرعة. ظل الموت الأبيض ... يجب ألا أبقى مستيقظة حتى وقت متأخر، تلك الهالات السوداء تحت عيني ... وبالباب، فساد غير مرئي ... فقط لو كنت أستطيع البكاء؛ هناك من يستطيعون أن يبكوا بكاء مرا، حقا يبكون حتى يفقدوا بصرهم ... على أي حال فالطلاق الذي سأمر به ...
بعيدا من شاطئ الحياة، بعيدا من زحمة الأنام الجزعين
الذين لم يختبروا قط أنواء المحيط» [هذا البيت وغيره من أجزاء قصيدة «أدونيس» لشيللي هو من ترجمة الدكتور لويس عوض.]
يا إلهي، إنها السادسة بالفعل. تبدأ في المشي جيئة وذهابا في الغرفة مرة أخرى. «وكأني أحمل في ظلمة وخوف بعيدا ...» يرن الهاتف. «مرحبا ... نعم هذه الآنسة أوجليثورب ... مرحى، أهلا روث، يا إلهي لم أرك منذ وقت طويل، منذ كانت السيدة ساندرلاند ... أوه، بالطبع أحب أن أراك. تعالي وسنتناول شيئا في الطريق إلى المسرح ... أنا في الطابق الثالث.»
تضع السماعة وتأخذ معطف المطر من الخزانة. تتعلق رائحة الفراء، وكرات النفتالين، والفساتين في أنفها. ترفع النافذة مرة أخرى وتتنفس بعمق الهواء الرطب المليء بعفن الخريف البارد. تسمع صوت الانفجار المدمدم لباخرة كبيرة من النهر. أحمل في ظلمة وخوف بعيدا عن هذه الحياة غير المنطقية، عن هذا الجنون والنزاع المشوشين، يمكن للرجل أن يأخذ سفينة لزوجته، ولكن الفتاة لا يمكنها ذلك. يرن الهاتف رنينا مخترقا مرتعشا.
يؤز جرس الباب في الوقت نفسه. تضغط إلين على الزر لينفتح الترباس. «مرحبا ... لا، أنا آسفة للغاية، معذرة عليك أن تخبرني من أنت. عجبا، لاري هوبكنز، ظننت أنك في طوكيو ... لم ينقلوك مرة أخرى، أليس كذلك؟ يا إلهي، بالطبع يجب أن نلتقي ... يا عزيزي، إنه لأمر مروع للغاية، ولكن لدي مواعيد لمدة أسبوعين ... اسمع، أنا مضطربة بعض الشيء الليلة. اتصل غدا في الثانية عشرة وسأحاول تحويل بعض الأمور ... عجبا، بالطبع يجب أن أراك على الفور أيها الرجل الهرم المرح.» ... دخلت روث برين وكاساندرا ويلكنز تنفضان المياه من فوق مظلتيهما. «حسنا، وداعا لاري ... هذا لطيف للغاية من كلتيكما ... اخلعا معطفيكما قليلا ... ألا تتناولين العشاء معنا يا كاسي؟»
ناپیژندل شوی مخ