صافح تاتشر يد الرجل البدينة مجددا، وتبادرت إلى ذهنه أفكار حميمية ولطيفة عن الأمومة والأبوة، وكعكات عيد الميلاد، وأعياد الكريسماس، التي تخيلها وهو ينظر إلى ضباب الرغوة البنية الداكنة، بينما يتمايل السيد زوكر خارجا عبر البابين المتأرجحين. بعد برهة، مدد ذراعيه. بالتأكيد لن يروق لسوزي المسكينة أن آتي إلى هنا ... كل شيء من أجلها ومن أجل ابنتنا.
صاح الساقي ذاهبا وراءه عندما وصل إلى الباب: «يا أنت، أين المال؟» «ألم يدفع الرجل الآخر؟» «لم يدفع.» «ولكنه عزمني ...»
ضحك الساقي وهو يغطي المال بيده الحمراء. «أظن أن هذا الممتلئ يؤمن بالادخار.» •••
مشى في شارع ألين رجل صغير البنية متقوس الساقين وملتح ويرتدي قبعة دربية، وصعد إلى النفق المخطط بأشعة الشمس، والمعلقة عليه ألحفة باللون الأزرق السماوي، ولون السلمون المدخن، ولون الخردل الأصفر، ويمتلئ بالأثاث المستعمل بلون كعك الزنجبيل . مشى ويداه الباردتان قابضتان على أطراف سترته المشقوقة الذيل، متلمسا طريقه بين صناديق التعبئة والأطفال الراكضين. ظل يعض شفتيه ويشبك يديه ويحلهما. مشى دون أن يسمع هتافات الأطفال أو الضجة المدمرة للقطارات السريعة من فوقه، ودون أن يشم الرائحة الكريهة للمباني المكدسة.
توقف أمام صيدلية مطلية باللون الأصفر عند ناصية شارع القنال، وحدق بذهول في وجه على بطاقة إعلانات خضراء. كان وجها شهيرا لرجل عالي الجبين وحليق الذقن له حاجبان مقوسان وشارب كثيف مشذب بعناية، وجها لرجل لديه أموال في المصارف، ويعلو بشكل يناسبه ياقة ذات طرفين أنيقين ورابطة عنق داكنة وكبيرة. أسفل الوجه بكتابة ككتابات الدفاتر، كان هناك إمضاء باسم كينج كامب جيليت. ورفرف فوق رأسه الشعار «وداعا للسن وداعا للشحذ». دفع الرجل الملتحي الصغير البنية بقبعته الدربية بعيدا عن جبينه المتعرق، ونظر طويلا لعيني كينج كامب جيليت المتلألئتين بالدولارات. ثم ضم قبضتي يديه، وفرد كتفيه ودخل إلى الصيدلية.
كانت زوجته وبناته بالخارج. سخن إبريقا من المياه على موقد الغاز. ثم باستخدام المقص الذي وجده فوق رف الموقد، قص الخصلات الطويلة للحيته البنية. ثم بدأ في حلاقتها بعناية شديدة بالشفرة الآمنة الجديدة التي تلمع لمعان النيكل. وقف مهتزا ممررا أصابعه على وجنتيه البيضاوين الناعمتين أمام المرآة الملونة. كان يرجل شاربه عندما سمع صوتا خلفه. استدار نحوهن بوجه ناعم كوجه كينج كامب جيليت، وجه بابتسامة وقور. كادت عيون الفتاتين الصغيرتين تخرج من رأسيهما. صاحت الفتاة الكبرى: «أمي ... إنه أبي.» سقطت زوجته كسلة غسيل فوق الكرسي الهزاز، وألقت بمئزرها من فوق رأسها.
وصاحت متأرجحة ذهابا وإيابا: «يا إلهي! يا إلهي!» «ما الأمر؟ ألا يعجبك؟» مشى جيئة وذهابا والشفرة الآمنة تلمع في يده، متحسسا ذقنه الناعم بين الحين والآخر.
الفصل الثاني
الحاضرة
في الماضي كانت بابل ونينوى، وقد بنيت كل منهما بالطوب. وكانت أثينا، ذات أعمدة من الرخام والذهب. وروما التي شيدت على أقواس فسيحة من الحطام. وفي القسطنطينية، توهجت المآذن كشموع ضخمة حول القرن الذهبي ... ولكن الفولاذ، والزجاج، والبلاط، والأسمنت، ستكون مواد ناطحات السحاب. ستظل براقة تلك الأبنية ذات الملايين من النوافذ المتراصة على الجزيرة الضيقة، في هرم فوق آخر كرأس سحابة بيضاء فوق عاصفة رعدية.
ناپیژندل شوی مخ