[مقدمات التحقيق]
كلمة المؤسسة
منذ أن اكتشف الإنسان موهبة الكتابة وأصبح قادرا على تسجيل أفكاره وأمنياته وضبطها عن الضياع والنسيان، حدثت انعطافة أساسية في حياته، إذ تمكن بعدئذ من نقل أفكاره وتجاربه وآماله إلى الأجيال المتعاقبة من بني نوعه بكل اطمئنان وثقة ..
فكل هذه التطورات الحضارية والمبادلات الثقافية- التي حصلت على مر العصور- لم تحدث إلا بفضل ما تناقلته الكتب في الأوساط الاجتماعية حتى اعطت الإنسان وعيا في فكره وحركة في جوارحه وأثمرت له تقدما ورقيا وحضارة رفيعة ..
ولا زال الكتاب اليوم يحتل الصدارة في لائمة وسائل الاعلام وعوامل التربية والتثقيف في المجتمعات الإنسانية ..
وإذا كان للكتاب أهميته بحيث لولاه لما وصل الإنسان إلى حضارته اليوم، فانه ينبغي لنا أن نهتم بالكتب التراثية إذ أنها المرآة التي تعكس لنا حياة اولئك الماضين وتمكننا من قراءة أفكارهم والتعرف على آمالهم وآلامهم والاستفادة من تجاربهم ومن ثم نقل هذه الآراء والتجارب إلى الأجيال القادمة ..
من هذا المنطلق كانت فكرة تأسيس مركز يهتم بقضايا تتعلق بالكتاب
مخ ۱
التراثي تحقيقا ودراسة .. وإخراجه إلى عالم النور بحلة قشيبة تليق به ..
وبما أن الكتب التراثية- كما وكيفا- عالم شاسع، فقد ارتأى المركز الذي يحمل عنوان (مؤسسة الثقلين- لإحياء التراث الإسلامي) ان رسالة هذه المؤسسة تختص بكتب التراث الإسلامي، وبالتحديد فهي تهدف إلى إحياء التراث الدفين في رفوف المكتبات مما كتب عن القرآن وعلومه وعن العترة الطاهرة من أهل بيت الرسول صلى الله عليهم أجمعين.
والمؤسسة تتقبل أي كتاب تراث تمس الحاجة الاجتماعية الحاضرة لإحيائه .. وان هذه المبادرة الخيرة من أصحاب الفكر والعلم هي باقة تشجيعية تقدم منهم إلى مؤسستهم هذه ..
والجدير بالذكر أن هناك مراكز ومؤسسات عديدة، وشخصيات علمية قديرة، سبق لها أن فتحت هذا الطريق وتقدمت في مسيرتها الفنية العلمية حتى أنتجت- بإخلاص- أعمالا قيمة تقدر لأصحابها، وبما أن العمل التحقيقي شاق وصعب فان الكثير من كتب التراث التي خرجت محققة هي بحاجة إلى إعادة تحقيق ثانية .. من هنا، فان هذا العمل- الذي يعتبر من الأعمال الأساسية في عالم الثقافة والمعرفة- بحاجة ماسة إلى التعاون وتبادل الآراء والمعلومات، وكذا النقد البناء حتى يضمن التقدم والرقي باستمرار.
وإذ تقدم المؤسسة إلى قرائها الكرام النتاج التحقيقي لكتابي «اليقين ...» و«التحصين ..» والذي يمثل أول خطوة لها في هذا الطريق، ترجو العلي القدير التوفيق والقبول، انه نعم المجيب.
1409 ه
مؤسسة الثقلين لإحياء التراث الإسلامي
مخ ۲
الإهداء
ما أحق كتابنا هذا أن نقدمه هدية إلى من ألف باسمه وصدر لأجله وحقق في ولائه:
أمير المؤمنين
وإمام المتقين
ويعسوب الدين
متضرعين إلى مقام قدسه، قائلين:
«يا أيها العزيز، مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة، فأوف لنا الكيل، وتصدق علينا، إن الله يجزي المتصدقين» .
المحققان
مخ ۳
اجمال مواضيع الكتاب
المقدمة
تمهيد
تكميل البحث حول كلمة «أمير المؤمنين»
بحوث حول الكتاب
منهج التحقيق
نماذج من مخطوطات الكتاب
ترجمة المؤلف.
كتاب اليقين
خطبة كتاب اليقين
القسم الأول من كتاب اليقين
القسم الثاني من كتاب اليقين
القسم الثالث من كتاب اليقين
خاتمة كتاب اليقين
كتاب التحصين
خطبة كتاب التحصين
القسم الأول من كتاب التحصين
القسم الثاني من كتاب التحصين
الخاتمة
الفهارس
مخ ۴
تمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمدك اللهم على ما مننت علينا من نور الهدى والمنجى من الردى، محمد سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)، وانعمت علينا اليقين بالتحصين بولاية أمير المؤمنين وعترته الأنوار الباهرة الطاهرين صلواتك عليهم أجمعين، وألهمتنا البراءة من اعدائهم بالحجج القاهرة إلى يوم الدين.
وبعد، فإن من أهم المسئوليات التي خص الله تعالى بها العلماء الربانيين هي الدفاع عن حريم دينه والذب عن الوجهة العلمية الدينية المتمثلة في القرآن العظيم وكلمات الرسول الكريم وائمة الدين الاثني عشر (صلوات الله عليهم أجمعين)، والقيام أمام كل من يريد إلقاء الشبهة أو إيجاد البدعة في دين الله.
واختيار الله جل جلاله العلماء لهذه المسئولية الباهضة يرجع إلى اقتدائهم بأنبياء الله ورسله الذين جعلوا هذا الواجب نصب أعينهم وصرفوا أعمارهم في سبيله. فالعلماء ورثة الأنبياء في ذلك، فيما لو عقدوا العزم على القيام بهذه المهمة، وهم المصابيح في ظلمات عصر الغيبة حينما يغتنم اعداء الإسلام الفرصة للقضاء على كيان الدين واستئصال جذوره، فانه عند ذلك يستضاء بانوار علماء الدين ويفر الخفافيش من وهج أنوارهم وبهم ينفي عن دين الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين.
يقول الإمام أبو جعفر محمد الباقر (عليه السلام): «العالم كمن معه
مخ ۵
شمعة تضيء للناس، فكل من أبصر شمعته دعا له بخير ...» (1).
وبما أن الأمر الذي يدافعون عنه يرجع إلى أهم ما يتصور من الأمور وهو سعادة الدنيا والآخرة وما هو غاية الخلقة والشريعة، فلا يقاس التسامح فيها بالتسامح في الدفاع عن الأموال والأنفس فإن هذا دفاع عن دنياهم وذلك دفاع عن دنياهم وآخرتهم معا.
كما أنه لا يقاس الدفاع عن العقائد الدينية بالدفاع عن الآراء والنظريات العلمية الدنيوية، فإن نهاية البحث في مسائل الدين تنجر إلى الآخرة والسعادة الأبدية على العكس مما في الآراء الملقاة في العلوم الدنيوية في مثل الطب والكيميا وامثالهما.
وحينئذ لا يبقى مجال السكوت للعلماء قبال المضلين والمبتدعين، وهذه هي مسيرة علمائنا الأبرار منذ العصور الأولى من تاريخ ديننا كمثل سلمان وأبي ذر والمقداد واضرابهم ممن قاوموا كل من أراد هدم الإسلام أو النيل من مباديه وأحكامه.
فهم بعد ما كانوا مشتغلين ببسط معارف الدين كانوا بمرصد من المهاجمين على معالمه وكانوا من قبل يستعدون لهذه المهمة.
يقول الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): «علماء شيعتنا مرابطون بالثغر الذي يلي إبليس وعفاريته، ويمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته النواصب.
ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة، لأنه يدفع عن أديان محبينا وذلك يدفع عن ابدانهم» (2).
ويقول الإمام أبو جعفر الجواد (عليه السلام): «من تكفل بأيتام آل محمد
مخ ۶
المنقطعين عن إمامهم المتحيرين في جهلهم، الأسراء في أيدي شياطينهم وفي أيدي النواصب من اعدائنا فاستنقذهم منهم وأخرجهم من حيرتهم وقهر الشياطين برد وساوسهم وقهر الناصبين بحجج ربهم ودليل أئمتهم ليفضلون عند الله تعالى على العباد بأفضل المواقع بأكثر من فضل السماء على الأرض والعرش والكرسي والحجب على السماء ...» (3).
ويقول الإمام الصادق (عليه السلام): «من كان همه في كسر النواصب عن المساكين من شيعتنا الموالين لنا أهل البيت، يكسرهم عنهم ويكشف عن مخازيهم ويبين عوراتهم ويفخم أمر آل محمد (صلوات الله عليهم)، جعل الله همه املاك الجنان في بناء قصوره ...» (4).
ويقول الإمام أبو الحسن موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام): «من أعان محبا لنا على عدو لنا فقواه وشجعه حتى يخرج الحق الدال على فضلنا بأحسن صورة ويخرج الباطل الذي يروم به اعدائنا في دفع حقنا على أقبح صورة حتى يتنبه الغافلون ويستبصر المتعلمون ويزداد في بصائرهم العالمون بعثه الله يوم القيامة في أعلى منازل الجنان» (5).
*** الجهات الإيجابية في التبليغ.
وفي هذا المضمار، ربما يتصدى العلماء والمحدثون للجهة الإيجابية، فيعرضون ثروات الإسلام العلمية الدينية أمام الرأي العام العالمي عامة ليعلم عند الموازنة منزلة ديننا وعلو شأنه بالإضافة إلى ساير الأديان.
فترى كل عالم من علمائنا المجاهدين في ميادين العلم والمعرفة يستفرغ وسعه ويبذل قصارى جهوده لملأ الفراغ الموجود في هذا المجال ونشر معارف أهل البيت (عليهم السلام) التي تقدر أن تملأ الكون بمفاخرها.
مخ ۷
فهذا شيخ المحدثين المتقدمين الشيخ أبو جعفر الكليني وشيخ المحدثين المتأخرين العلامة المجلسي، لما رأوا أحاديث الأئمة المعصومين (عليهم السلام) في معرض الزوال لعروض الحوادث وصعوبة جمعها وتحصيلها لتفرقها في الأصول وغيرها، شمرا عن ساق الجد والاجتهاد وجمعها كل منهما في كتاب واحد:
«الكافي» الذي هو كاف للشيعة و«بحار الأنوار» الذي هو مدينة الحكم والآثار.
وهذا الشيخ الصدوق الذي جمع الأخبار وصنفها اصنافا لطيفة ألف في كل موضوع كتابا مثل «من لا يحضره الفقيه» و«علل الشرائع» و«ثواب الأعمال» و«اكمال الدين» و«عيون الأخبار». وكذلك ساير علمائنا (رضوان الله عليهم أجمعين) كانوا حريصين على أداء وظيفتهم في الجهة الإيجابية من تبليغ دين الله القويم.
*** الإتجاهات الدفاعية في التبليغ.
ثم أن أداء المسئولية الدينية للعالم قد يكون بالاتجاه الدفاعي أمام ما يصادم كيان الدين وما يتعرض لأصوله ومباديه الشريفة على حد قول الله تعالى: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون (6)، وعلى حد قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه، فان لم يفعل فعليه لعنة الله» (7).
فالعالم الديني يدافع حينئذ عن حوزة الدين ويذب عن ثغوره اشد الذب ويعرض نفسه للخطر تجاه السهام الواردة نحو الإسلام، فيجاهد بعلمه في سبيل العقيدة والدفاع عن مبادئ الإسلام ورد المهاجمين عليه. ولذلك نماذج كثيرة في التاريخ الإسلامي كسلمان وأبي ذر والمقداد وميثم التمار ورشيد الهجري
مخ ۸
والحجر بن عدي وسليم بن قيس وزرارة ومحمد بن مسلم وابن أبي عمير وفضل بن شاذان وكالشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي وسيدنا المؤلف والشهيدان الأول والثاني والعلامة الحلي والمجلسي وغيرهم ممن جاء ذكر تضحياتهم في هذا الصعيد في كتب التاريخ.
فهؤلاء وأمثالهم جعلوا نفوسهم وأموالهم وكل كيانهم غرضا لمرامي اعداء الدين فاصابهم من سهامهم ما خلد اسمائهم في كتب العلم وعند الله في كتاب محفوظ.
*** المناظرات
ثم أن أكثر ما استخدموه في طريق هذا الدفاع هو المناظرات وتأليف الكتب.
أما المناظرات فهي من أقدم الأساليب المستعملة منذ عصور الأئمة (عليهم السلام) وإلى زمان الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي والعلامة الحلي، ومنها مناظرته المعروفة في مجلس السلطان التي أدت إلى هداية بلاد إيران إلى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) والتمسك بهم وصار التشيع مذهبا رسميا في البلاد.
والمناظرة طريقة مأخوذة عن كتاب الله الكريم وعن سيرة الرسول والأئمة المعصومين (عليهم السلام)، فانظر كتاب «الاحتجاج» للشيخ الطبرسي، فقد جمع فيه احتجاجات رسول الله وفاطمة الزهراء وأمير المؤمنين والأئمة الاحد عشر من ولدهما (صلوات الله عليهم أجمعين).
ويكفينا أن نذكر كلام الشيخ المفيد في كتابه «العيون والمحاسن» في ذلك حيث يقول:
«أخطأت المعتزلة والحشوية فيما ادعوه علينا من خلاف أهل مذهبنا في استعمال المناظرة، وأخطأ من ادعى ذلك من الإمامية أيضا وتجاهل، لأن فقهاء
مخ ۹
الإمامية ورؤسائهم في علم الدين كانوا يستعملون المناظرة ويدينون بصحتها وتلقى ذلك عنهم الخلف ودانوا به. وقد أشبعت القول في هذا الباب وذكرت اسماء المعروفين بالنظر وكتبهم ومدائح الأئمة (عليهم السلام) لهم، في كتابي «الكامل في علوم الدين» وكتاب «الاركان في دعائم الدين» (8).
*** تأليف الكتب
وأما تأليف الكتب تجاه المضلين والمبتدعين والمشبهين، فلما لم تكن ظروف المناظرة في كل الأزمان مهيأة، فان أكثر علمائنا كتبوا كتبا في الرد على فرقة ضالة أو شخص مضل، وحتى في الرد على شخص مجهول عسى أن يوجد فيلفق شبهة.
فهناك كتب كثيرة ألفت على سبيل المناظرة، وخوطب به شخص مجهول واعدت الأجوبة فيه ليوم ما. ولعل أول من أقدم على ذلك هو الفضل بن شاذان من أصحاب الرضا والجواد والعسكريين (عليهم السلام) في كتابه «الإيضاح» وساير كتبه. وتبعه الشيخ المفيد في كتابه «أوائل المقالات» و«المسائل الصاغانية»، إلى غير ذلك من كتب علمائنا رحمهم الله.
الدفاع عن جميع مسائل الدين
وبما أن الأمر الذي يدافعون عنه يرجع إلى الدفاع عن الله تعالى، فقد ترى علمائنا يقدمون بالمهمة عند ما يواجهون من يريد القاء شبهة على الاعتقادات الدينية أو يطعن في مسائله أو يكتب شيئا في إبطال مسائله بزعمه أو من يعلن عن تحديه في المناظرات.
وتراهم يحسون بواجبهم بمجرد أن سمعوا كلاما أو مقالا أو رأوا كتابا في الرد على التوحيد أو تحريفه بمعنى غير مستقيم أو سمعوا شيئا في مسألة النبوة والإمامة أو ساير أمور الشريعة التي يرجع انكاره إلى تكذيب المعصوم وبالتالي
مخ ۱۰
يرجع إلى تكذيب الله تعالى.
وبما أن أمور الدين كسلسلة متلاحقة لا يتصور التفريق بينها فالواجب الذي يتحسسه علمائنا في الدفاع عن دين الله تجاه هجمات الأعداء علميا أو عمليا أو اعلاميا على شيء من ثغور الدين لا يفرقون فيه بين المسائل، فقد عرفوا مثلا أن من تسامح في مسألة علم الغيب أو إيمان أبي طالب أو أمثالهما فقد تسامح في الجميع، فان دين الله مجموعة واحدة بأي جانب منه أصابت سهام اعداء الإسلام فقد أضر بكيان جميعه.
فقد قاموا تجاه الملحدين أو اليهود أو النصارى أو الخوارج أو المبتدعين الذين لبسوا لباس الإسلام والتبسوا الأمر على الناس.
فهناك الأشاعرة والمعتزلة، فان علمائنا كانوا يذبون عن كيان الإسلام قبال هؤلاء المتحرفين، فهذه كتب الشيخين المفيد والطوسي والسيد المرتضى والعلامة الحلي في الرد عليهم. ولقد قاسوا جهدهم حتى جروهم إلى زاوية الخمول وبقوا لا يعبأ بآرائهم من قبل جمهور المسلمين.
وهناك الصوفية الذين قام المقدس الأردبيلي والعلامة المجلسي في وجوههم في أوج قدرتهم، فخذلاهم واسقطا اسمهم عن ديوان الإسلام.
*** نتائج الدفاع
والدافع الذاتي لعلمائنا في ذلك كله هو الحب والبغض في الله الذين هما مخ الدين وأصله. فهذا هو الذي كان يدفع علمائنا إلى الإجابة على شبهات المنحرفين والرد على مغالطات المبتدعين والمضلين.
والانجازات التي حققها جهود العلماء وجهادهم تتمثل في أمور:
1- سد باب الضلال والإضلال لئلا يغتر الجهال أو من لا يتمكن من الرد والجواب فينخدع بهذه الشبهات، أو يرجع عنها ويتوب لو افتتن بها.
2- عودة معتنقي الشبهة من غير أهل الحق إلى الحق، ويكون ذلك سببا
مخ ۱۱
لتنبه المستضعفين إذا لم يكونوا معاندين، كما قال (صلى الله عليه وآله): «يا علي، لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس ...» (9).
3- سد طريق العدو المهاجم وحسم مادة الفساد، لئلا يجرأ على التشكيك في بقية المعتقدات.
4- التحفظ على كرامة الدين الاجتماعية وعرضه على المجتمعات البشرية والمحافل العلمية المختلفة كدين جامع صلب الأركان قوي البرهان خاليا عن أي شبهة قادرا على الرد على الأعداء، كما قال (صلى الله عليه وآله): «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه».
5- قطع مادة البدعة والضلال والمنع عن سرايتها إلى الأجيال الآتية.
وهذه الجهة مهمة جدا، فان كثيرا من الحقائق صارت عرضة للاضمحلال والاندراس بسبب استصغار العلماء بشأنه أو بشأن الاعداء في حقه أو التساهل والتسامح في رد المهاجمين وأهل البدع.
نذكر من ذلك مسألة «الشعائر الحسينية»، فلو لم يكن الاهتمام بها لزالت ولسري الشك في كل ما يرجع إليه حتى أصل وجود الإمام الحسين (عليه السلام) في قبال يزيد لعنه الله، وما جرى من المصيبة في كربلاء على يد هذا الفاجر، فان الاعداء كانوا يرومون محو هذا الشعار الذي هو الركن في بقاء الإسلام.
ولو لا اهتمام علمائنا بمسألة «الغدير» وتأليف الكتب والردود ودوام الاحتجاجات المستمرة طيلة القرون لما كان يبقى من المسألة أثر كما يشهد التاريخ بانكار المسألة في أوان امر الإسلام.
ولو لا الأوامر الأكيدة الصادرة عن الأئمة (عليهم السلام) وحثهم وتحريصهم للشيعة على «زيارة قبورهم (عليهم السلام)»، وقيام الشيعة اثر
مخ ۱۲
علمائهم بهذا الشعار المقدس أحسن قيام طول التاريخ (10)، لزال هذا الشعار وانقلب إلى أمر ممنوع لاهتمام اعداء الإسلام على محاربته بكل أنواع الحرب العلمية والإعلامية والعملية.
*** كلمات العلماء في الإتجاهات الدفاعية
وليعلم المسلم أن أعداء الإسلام يبدءون أمرهم بالسؤال فيتدرجون إلى الشك ثم إلى الاعتراض، وينتهي إلى الهجوم العنيف إذا رأوا ضعفا أو تساهلا من جانب أهل الحق.
وذلك من طبيعة النفس البشرية حيث يمكن إيقاع الحقيقة القطعية تحت السؤال بإلقاء شبهة واحدة، ثم يتكلم في الشبهة ويضخمها حتى تصير إشكالا، فيتحول اليقين ظنا ثم يتنازل إلى الشك.
ولقد علم علمائنا ذلك واجتهدوا بحسب امكانهم في الرد على الشبهة في أول المراحل كي لا تنمو مادته فيضل عدة من الخلق.
وفي هذا المجال نرى أن نذكر نماذج من مسيرة العلماء في هذا الميدان وليكن تذكرتنا بذلك شكرا منا تجاه سعيهم المشكور من عند الله ورسوله ومن عند الأئمة الطاهرين (عليهم السلام).
قال الشيخ الصدوق في كتابه «اكمال الدين»:
«إن الذي دعاني إلى تصنيفي هذا أني لما قضيت وطرى من زيارة مولانا الإمام أبي الحسن الرضا (صلوات الله عليه) رجعت إلى نيشابور وأقمت فيها، فوجدت أكثر المختلفين إلي من الشيعة قد حيرتهم الغيبة ودخلت عليهم في أمر القائم (عليه السلام) الشبهة وعدلوا عن طريق الحق ...» (11).
مخ ۱۳
وقال الشيخ المفيد في كتابه «أوائل المقالات»:
«فاني بتوفيق الله ومشيته مثبت في هذا الكتاب ما آثر اثباته من فرق بين الشيعة والمعتزلة، وفصل ما بين العدلية من الشيعة ومن ذهب إلى العدل من المعتزلة، والفرق ما بينهم وما بين الإمامية فيما اتفقوا عليه من خلافهم فيه من الأصول ... ليكون أصلا معتمدا فيما يمتحن للاعتقاد» (12)
وقال في كتاب «الجمل»:
«سألت أن أورد لك ذكر الاختلاف بين أهل القبلة بالبصرة ... فإن كل كتاب صنف في هذا الفن قد تضمن اخبارا تلتبس معانيها على جمهور الناس ...» (13).
وقال في رسالته «الفصول العشرة في اثبات الحجة (عليه السلام)»:
«... وبعد فإني قد حللت من الكلام في وجوب الإمامة وتخصيص مستحقيها (عليهم السلام) بالعصمة ... واوضحت عن فساد مذهب المخالفين في ذلك» (14).
وقال السيد المرتضى علم الهدى في كتابه «الشافي»:
«سألت ايدك الله تتبع ما انطوى عليه الكتاب المعروف بالمغنى من الحجاج في الإمامة، وإملاء الكلام على الشبهة بغاية الاختصار ... وقد كنت عزمت عند وقوع الكتاب في يدي على نقض ما اختص منه بالإمامة على سبيل الاستقصاء ...» (15).
وقال في كتاب «الانتصار»:
مخ ۱۴
«اني ممتثل ما رسمته ... من بيان المسائل الفقهية التي شنع بها على الشيعة الإمامية وادعى عليهم مخالفة الإجماع» (16).
وقال الشيخ الطوسي في «التهذيب»:
«ذاكرني بعض الاصدقاء باحاديث من أصحابنا أيدهم الله وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا وتطرقوا بذلك إلى إبطال معتقدنا ... حتى دخل على جماعة ممن ليس لهم قوة في العلم ولا بصيرة بوجوه النظر ومعاني الألفاظ شبهه، فالاشتغال بشرح كتاب يحتوي على ... من أعظم المهمات في الدين ومن أقرب القربات إلى الله» (17).
وقال في كتاب «المبسوط»:
«فاني لا أزال اسمع معاشر مخالفينا من المتفقهة والمنتسبين إلى علم الفروع يستحقرون أصحابنا الإمامية ... وينسبونهم إلى قلة الفروع وقلة المسائل، وان من ينفي القياس والاجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل ...
وهذا جهل منهم بمذاهبنا وقلة تأمل لأصولنا ...» (18).
وقال الشيخ أبو العباس النجاشي في «الفهرست»:
«أما بعد فاني وقفت على ما ذكره السيد الشريف من تعيير قوم من مخالفينا أنه لا سلف لكم ولا مصنف، وهذا قول من لا علم له بالناس ...
وقد جمعت من ذلك ما استطعته» (19).
وهذا هو الذي دعا صاحب «الذريعة»، العلامة الشيخ آغا بزرگ الطهراني إلى تصنيفه هذه الموسوعة القيمة لبيان تصانيف الشيعة. يقول العلامة
مخ ۱۵
الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء في مقدمة الذريعة:
«كان من المؤسف أن مآثر علماء الإمامية لا تزال مجهولة حتى لأهل العلم من ابنائها فضلا عن عوامها وعامة أخيارها من سائر الملل والمذاهب ... إلى أن بعث الله روح الهمة والنشاط ... فجاء بكتاب جمع فاوعى بعد أن تكلف مشقة الاسفار وجاب الأقطار وصرف كثيرا من عمره الشريف في الفحص والتنقيب في المكتبات المشهورة» (20).
وقال العلامة الحلي في كتابه «الألفين»:
«أوردت فيه من الأدلة اليقينية والبراهين العقلية والنقلية ألف دليل على إمامة سيد الوصيين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وألف دليل أخرى على إبطال شبه الطاعنين» (21).
وقال في اول كتابه إثبات الوصية:
«... وبعد فانه ذكر لي بعض الفضلاء الصالحين والعلماء الورعين ان جماعة من الجهلاء تحلوا بحلى العارفين وتسربلوا بسربال العالمين وتظاهروا بكلمات المتفقهين وتصنعوا بصنائع المكلفين ويا ليتهم قنعوا بجهلهم واعترفوا بقصور عقلهم ونقلهم حتى انكروا وصية سيد المرسلين وأظهروا ذلك للمطيعين والمريدين. هذا ولم يتنبهوا إلى ان وصيته (ص) قد تواترت بها الاخبار وتقررت في الكتب والآثار ودونت فيها الأشعار ولم يتفطنوا إلى أن ذلك من صفات المخالفين وعلامات الجاحدين.
فدعاني ذلك إلى أن أكتب شيئا يظهر فساد ما أنكروه وبطلان ما أظهروه».
مخ ۱۶
وقال في كتابه «نهج الحق»:
«لما كان ابناء هذا الزمان ممن استغواهم الشيطان الا الشاذ القليل الفائز بالتحصيل، حتى انكروا كثيرا من الضروريات وأخطئوا في معظم المحسوسات وجب بيان خطأهم لئلا يقتدي غيرهم بهم فتعم البلية جميع الخلق ... وانما وضعنا هذا الكتاب خشية لله ورجاء ثوابه وطلبا للإخلاص من اليم عقابه بكتمان الحق وترك ارشاد الخلق» (22).
وقال القاضي نور الله التستري الشهيد في «إحقاق الحق» الذي هو شرح لكتاب «نهج الحق»:
«لما وصل ذلك الكتاب (أي نهج الحق) الذي لا ريب فيه إلى نظر الفضول السفيه المعدود في خفافيش ظلمة العمى وخوافيه «فضل بن روزبهان» خلع العذار ... وها أنا بتوفيق الله أنبه على بطلان ما أورده على المصنف العلامة ... وأبين أنه من الجهل في بحر عميق» (23).
وقال القاضي الشهيد في كتابه «الصوارم المهرقة» الذي صنفه ردا على «الصواعق المحرقة»:
«ان الشيخ الجاهل الجامد الحامل الزجاج الكامل في نقص الفطرة وسوء المزاج، أبو المدر بن الحجر الثاني، الذي نشأ في حجر رخام الانحراف وبرام الاعوجاج وراج بمشاركة اسم الحافظ العسقلاني بعض الرواج، قد أظهر في مقام إيراد الشبهة والاحتجاج غاية الحماقة واللجاج ... وسيكشف لك ضوء ما قابلناه به من الصوارم المهرقة ...» (24).
وقال مير حامد حسين الهندي في كتاب «عبقات الأنوار» الذي صنفه في الرد على «التحفة الاثني عشرية»:
مخ ۱۷
«إن هذا هو المنهج الثاني من كتابي المسمى بعبقات الأنوار في اثبات الأئمة الأطهار (عليهم السلام) الذي نقضت فيه على الباب السابع من التحفة العزيزية وبالغت في الذب عن ذمار الطريقة الحقة العلية» (25).
وقال في اول كتابه استقصاء الافحام:
«الحمد لله الذي سددنا لاصابة خصل السبق في استقصاء افحام المعاندين الحائدين عن الدين المجترحين ذلا وخسارا، ووفقنا لحيازة قصب الشف في نقض منتهى كلام المخالفين الزائغين عن الحق واليقين المقترفين قماءة وصغارا، وصيرنا نستأصل شأفة الماردين بارهاف شبى الحجج والبراهين اللامعة أنوارا ونلحب المنهج الابلج ونزهق الباطل اللجلج الجالب على المبطلين خزيا وبوارا وننضر غصون عساليج الحق الابهج وننكس هوادي الخائضين في ديماس التعصب الاسمج الاعوج المورث اياهم خسفا وشنارا ونؤيد بالبيان الفصيح الحق الصريح ونصير هفوات الناكبين كرماد اشتدت به الريح ونرجو بذلك أمنا وقرارا».
وقال الشيخ محمد حسن المظفر في كتابه «دلائل الصدق» الذي صنفه جوابا عن ابطال الباطل الذي صنفه فضل بن روزبهان:
«وبعد فاني لما سعدت بالنظر إلى كتاب «نهج الحق وكشف الصدق» ... وقد رد عليه فاضل الأشاعرة ... الفضل بن روزبهان، وأجاب عنه سيدنا الشريف الحاوي لمرتبة السعادة والعلم والشهادة، السيد نور الله الحسيني، فجاء وافيا شافيا ... لكني احببت أن اقتدي به واصنف غيره عسى أن أفوز مثله بالأجر والشهادة» (26).
مخ ۱۸
وقال العلامة السيد شرف الدين في كتابه «النص والاجتهاد».
«رأيت بكل أسف بعض ساسة السلف وكبرائهم يؤثرون اجتهادهم في ابتغاء المصالح على التعبد بظواهر الكتاب والسنة ونصوصها الصريحة ...
وإليك في كتابنا هذا «النص والاجتهاد» من موارد تأولهم للنصوص واجتهادهم في إيثار المصلحة عليها» (27).
وقال السيد محسن الأمين العاملي في كتابه «نقض الوشيعة»:
«فمن ذلك كتاب اطلعنا عليه في هذه الأيام يسمى «الوشيعة» في نقض عقائد الشيعة، ليس في اسمه مناسبة سوى مراعاة السجع ... ولقد كان بالاعراض عنها أحق لو لا انتشارها واضرارها، فاضطرتنا الحال إلى نقضها وبيان ما فيها من الخلل والفساد» (28).
وقال الشيخ عبد الجليل القزويني في كتابه المعروف ب «بعض مثالب النواصب»:
«أنه ألف كتاب جديد سموه ب «بعض فضائح الروافض» يقرأ في محافل الكبار وبمحضر من الصغار على طريق التشنيع ... إلى أن وصل إلي نسخة من ذلك الكتاب فتأملت فيه و...» (29).
وهذا كتاب «الغدير» للعلامة الأميني العظيم، الذي صنفه في مسألة «الغدير» وابطل كل شبهة حوله، وهو (رحمه الله) مع جهده المشكور في ذلك حينما يصل إلى أي موضوع شنع بها على أهل الدين أو أي بدعة ابتدعوها في دين الله أقدم في المطلب بكل ما عنده ويخرج منه فاتحا لم يدع شيئا حول المطلب. شكر الله مساعيه الجميلة التي افنى عمره الشريف في سبيلها وفدى بكل ما عنده في طريقها.
مخ ۱۹
هذه نماذج ذكرناها ليعلم أن من سيرة علمائنا الأبرار وفي رأس وظائفهم الذب عن حريم الدين والقيام امام كل من يريد تضعيف الإسلام والقاء الشبهة أو البدعة فيه.
*** سيدنا المؤلف في اتجاهاته الدفاعية
وفي هذا المضمار فان سيدنا المؤلف من أشد المدافعين عن حريم الدين في شتى الجهات ومن المجاهدين في سبيل إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) كما سيأتي بيانه في ترجمته إنشاء الله.
ويكفي في اهتمامه بهذا الشأن تأليفه هذين الكتابين الممثلين أمام القارئ بالإضافة إلى كتاب مفقود سنبحث عنها، كلها جوابا عما قرع سمعه من شبهة واحدة ألقاها بعض المخالفين وانكر تسمية رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمولانا علي (عليه السلام) ب «أمير المؤمنين» في حياته.
فالسيد- بعد ما تجاوز عمره السبعين وخلال السنين الثلاثة الأخيرة من عمره الشريف- لما سمع ما ادعاه الرجل احس بالتكليف الواجب ورآه في اهم وظائفه التي كانت تحيط به، وهو المرجع الكبير للشيعة والزعيم لعلمائها في زمانه، فقدمه على ساير ما يهم عند غيره واشتغل بتأليف هذه الكتب الثلاثة لرد تشنيع الرجل على أمر ربما لا يدرك أهميته كثير ممن لا يعرف أسس الدين وأصول الإسلام.
والذي دعا السيد إلى هذا الاهتمام هو الدفاع عن مذهب الشيعة الذين هم تلاميذ مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) والدفاع عن الإمام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بل الدفاع عن الرسول الأعظم حيث كذب الرجل نبي الله فانه انكر تسميته (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) ب «أمير المؤمنين».
مخ ۲۰