وأما اقتصاره على باطن الإبهام دون ظاهرها فمعناه أنه جعل آخر الإشارة متصلًا بأول العبارة اتصالًا متلائمًا كملاءمة باطن الكف التي ضرب بها باطن الإبهام التي ضرب عليها، وهذه أيضًا من بلاغة الواصف ﵁ ومن شواهد الإشارة في الكتاب العزيز قوله تعالى: " وغيض الماء " فإنه سبحانه أشار بهاتين اللفظتين إلى انقطاع مادة الماء من مطر السماء ونبع الأرض، وذهاب الماء الذي كان حاصلًا على وجه الأرض قبل الإخبار إذ لو لم يكن ذلك لما غاض الماء.
وكقوله سبحانه: " فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين " فالمح كل ما تميل النفوس إليه من الشهوات وتلتذه الأعين من المرئيات، لتعلم أن هذا اللفظ القليل جدًا عبر عن معان كثيرة لا تنحصر عدًا. وكذلك قوله تعالى: " فانبذ إليهم على سواء " بمعنى قابلهم بما يفعلونه معك، وعاملهم بمثل معاملتهم لك سواء مع ما تدل عليه لفظة سواء من الأمر بالعدل، ومثل هذا المعنى قول زهير وافر:
فإني لو لقيتك واتجهنا ... لكان لكل منكرة كفاء
يعني: قابلت كل منكرة منك بكفئها.
وإذا علمت ذلك فانظر ما بين هذا البيت وبين قوله تعالى: " فانبذ إليهم على سواء " لتعلم فرق ما بين الكلامين.