زائدة على لفظ المقصد الذي قصده لإقامة وزن أو لاستدعاء قافية أو تتميم معنى، أو لإيغال أو سجعة، فتلك أيضًا مساواة لأن لكل باب لفظًا يخصه، فمتى زاد على ذلك اللفظ الدال على ذلك المعنى المقصود كان الكلام غير موصوف بالمساواة.
ومن هذا الباب في الكتاب العزيز قوله تعالى: " وقيل يا أرض ابلعي ماءك " الآية فإن قيل: لفظة القوم في قوله تعالى: " وقيل بعدًا للقوم الظالمين " زائدة يمنع الآية أن توصف بالمساواة، فإنه لو قال وقيل بعدًا للظالمين أجزأ. قلت: لما سبق قوله تعالى: " وكلما مر عليها ملأ من قومه " وقوله سبحانه: " ولا تخاطبني في الذين ظلموا " أوجبت البلاغة أن يقول في آخر الكلام: " بعدًا للقوم الظالمين "، ولو اقتصر سبحانه على لفظة الظالمين دون لفظة القوم لتوهم متوهم أن آلة التعريف في الظالمين للجنس وهو خلاف المراد، فإن المراد بالظالمين هاهنا قوم نوح الذين قدم ذكرهم ووصفهم بالظلم، ونهاه عن المخاطبة فيهم ليرتد عجز الكلام على صدره، ويعلم أن المدعو عليهم هم الذين تقدم ذكرهم احتراسًا من وقوع هذا التوهم، ولا يحصل ذلك إلا بذكر القوم فقد صار الإتيان بها يفيد معنى لم يفده الكلام بدونها.
واعلم أن البلاغة قسمان: إيجاز، وإطناب، والمساواة معتبرة في القسمين معًا، فأما الإيجاز فكقوله تعالى: " ولكم في القصاص حياة "