مقدمة ... كتاب تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة تأليف: الإمام العالم المجتهد: خليل بن كيكلدي العلائي، ت (٧٦١هـ) دراسة وتحقيق: د. عبد الرحيم محمد أحمد القشقري أستاذ مساعد بكلية الحديث الشريف، بالجامعة الإسلامية بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي نزه أصحاب محمد ﷺ من النقائص، وعدلهم من سبع سمواته بقوله: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ . وبقوله: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ . (التوبة آية: ١٠٠) . وآيات كثيرة تدل على فضلهم وعدالتهم، وأحاديث ثابتة عن المصطفى ﷺ تدل على أن أحدًا منا مهما عمل فلن يبلغ مد أحدهم ولا نصيفه. وقد ظهرت فرق أعمى الله أبصارها عن الأدلة الواردة في حق صحابة رسول الله ﷺ فأخذوا يكيلون الشتائم ويرمون فضلاءهم بكل أنواع الفسق والفجور دون مراعاة لحق الصحبة، وما ذاك إلا لغرض في نفوسهم المريضة، فبئست تلك النفوس، وبئست تلك الأغراض. وقد تعلق أولئك القوم بأحاديث ساقطة لتأييد ما ذهبوا إليه ضاربين عرض الحائط جميع المصطلحات والقواعد التي تعارف عليها العقلاء من الناس، فضلًا عن المسلمين الذين آمنوا بكتاب الله المنزل فيه تزكية صحابة رسول الله، وسنة نبيه الثابتة والتي تؤكد فضلهم وعدالتهم. فمن الأدلى التي ساقوها لتأييد ما ذهبوا إليه حادثتان:

1 / 5

الأولى منهما: ما روي عن عطاء بن السائب أن عبد الله بن الزبير قال يومًا لأصحابه: أتدرون ما تأويل هذا الحديث..؟ من كذب علي متعمدًا. فقالوا: لا علم لنا بذلك، فقال: إن رجلًا من المدينة عشق امرأة، فأتى أهلها فلم يزوجوه منها فلبس حلة وأتى أهلها وقال لهم: إن رسول الله ﷺ بعثني إليكم لكي أتضيف في أي بيت شئت من بيوتكم، وكان ينتظر أن ينام عندهم ... ليتصل بتلك المرأة، فأتى رجل منهم رسول الله فقال له: إن فلانًا يزعم أنك أمرته أن يبيت في أي بيوتنا شاء، فقال: كذب والله. ثم أرسل رجلًا وأمره أن يضرب عنقه إن تمكن منه ويحرقه في النار، فلما خرج دعاه رسول الله ونهاه عن إحراقه بعد قتله، لأنه لا يعذب في النار إلا رب النار. ورويت هذه الحادثة عن طريق صالح بن حيان عن إبن بريده عن أبيه بتفاوت يسير لا يغير المعنى. والدليل الثاني: رواه إبن سعد في الطبقات والطبراني، عن المنقع التيمي أنه قال: أتيت النبي ﷺ بصدقة إبلنا وقلت له: إن فيها ناقتين هدية لك، فأمر بعزل الهدية عن الصدقة، فمكث أيامًا وخاض الناس أن رسول الله باعث خالد بن الوليد إلى رقيق مصر فمصدقهم. فقلت: والله ما عند أهلنا من مال، فأتيت النبي ﷺ فقلت له: إن الناس خاضوا في كذا وكذا، فرفع النبي ﷺ يديه حتى نظرت إلى بياض إبطه، وقال: اللهم لا أحل لهم أن يكذبوا علي. قال المنقع فلم أحدث بحديث عن النبي ﷺ إلا حديثًا نطق به كتاب أو جرت به سنة يكذب عليه في حياته فكيف بعد موته. وقد نظرت في هذين الدليلين فلم أرهما على شرط المحدثين

1 / 6

الذين لا يقبلون من الأحاديث إلا ما ثبت عن رسول الله ﷺ. فالحديث الأول أورده ابن الجوزي في موضوعاته محتجًا به، وهو لا يصلح للاحتجاج لأن في سنده عطاء بن السائب. قال فيه الحافظ: صدوق اختلط١، والراوي عنه داود بن الزبرقان. قال فيه البخاري: حديثه مقارب. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو زرعة: متروك. وقال أبو داود: ضعيف ترك حديثه٢. أما طريق صالح بن حيان، فلا يكون مساندًا لرواية ابن الزبير، لأن الراوي صالح بن حيان ضعفه ابن معين، وقال مرة: ليس بذاك. وقال البخاري: فيه نظر. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ٣. أما الحديث الثاني، فهو لا يصلح أيضًا للاحتجاج به، لأنه من رواية سيف بن هارون البرجمي. قال فيه النسائي والدارقطني: ضعيف. وفي رواية الدارقطني: ضعيف متروك٤. وقال إبن حبان: يروي عن الأثبات الموضوعات٥. _________ ١ تقريب التهذيب ٢/٢٢. ٢ ميزان الاعتدال ٢/٧. ٣ الكامل ٤/١٣٧٣، ميزان الاعتدال ٢/٢٩٢. ٤ ميزان الاعتدال ٢/٢٥٨. ٥ المجروحون ١/٣٤٦.

1 / 7

وعصمة بن بشير البرجمي قال فيه الذهبي: عصمة بن بشير عن الفزع، قال الدارقطني: هما مجهولان، والخبر منكر١. فلا يصلح إذًا أن يكون مستمدًا لمن أراد إثبات الكذب ووقوعه في عهد رسول الله ﷺ. إلا أن الحسيني صاحب كتاب الموضوعات في الآثار والأخبار "يرى أن الصحابة كانوا يكذبون إستدلالًا بهذين الحديثين. وقد تقدم ما فيهما من علل. وهذا والله تحامل من المؤلف على صحابة رسول الله ﷺ العدول الأخيار، ولم يكتف بهذا، بل نص على أنه مهما كان الحال فسواء صحت هذه المرويات أو لم تصح، فالمعاصرون للنبي ﷺ لم يكونوا في مستوى واحد كغيرهم من سائر الناس في مختلف العصور. فمنهم الصديقون الأبرار ومنهم المسلم الذي لم يبلغ مرتبة الأبرار، ومنهم المتستر بالإسلام الذي يستبيح كل شيء في سبيل تحقيق أهدافه ورغباته. ثم تناقض ذلك المؤلف فقال: ونحن لا ندعي وقوع الكذب منهم على الرسول في حياته بصورة قاطعة، لأن الأرقام التي بأيدينا لا تنتهي إلى هذه النتيجة، ثم رجع عن هذا القول، وألبس الصحابة لباس الكذب حين قال: ولكنا لا نستبعده بل نقر به اعتمادًا على هذه المرويات٢. أهذا هو المنهج العلمي؟ لا أظن ذلك، وإنما هي أحقاد دفينة في _________ ١ ميزان الاعتدال ٢/٦٧. ٢ الموضوعات في الآثار والأخبار ص: ٩٥.

1 / 8

نفوس ضعيفة منذ العصور المتقدمة، وما ذاك إلا لهدم أساس الشريعة الإسلامية التي أتى بها محمد بن عبد الله، وحملها صحابته الأخيار بكل صدق وأمانة وإخلاص وتضحيات، وبذلوا في سبيل إعلائها الغالي والنفيس. وقد قيد الله للرد على هؤلاء أئمة أجلاء منهم الإمام العالم خليل بن كيكلدي العلائي ﵀ رحمة واسعة في كتابه الذي بين أيدينا، فجاء رده موجزًا في عبارته وقويًا في أدلته، ومنصفًا في ترجيحه للحق دون الميل لهوى شخصي أو تعصب مذهبي. وقد تعلقت به حال قراءتي له، فعزمت على إخراجه وتحقيقه مشاركة مني في الدفاع عن الصحابة الذي عدلهم الله ورسوله. وأسأل الله أن ينفع به جميع المسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه. التعريف بالمؤلف وكتابه منيف الرتبة: هو الإمام الفقيه الأصولي المحدث الأديب الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي بن عبد الله الدمشقي الشافعي. المعروف بالعلائي، ويكنى بأبي سعيد. وكان مولده في أحد الربيعين سنة أربع وتسعين وستمائة، بمدينة دمشق، ويرى إبن العماد الحنبلي أنه ولد في شهر ربيع الأول. وبدأ مشوار العلم في سن مبكر جدًا، ولا يستبعد أن يكون طلبه للعلم كان في الخامسة من عمره. لأنه حكى عن نفسه أنه سمع صحيح الإمام مسلم ﵀ سنة ثلاث وسبعمائة، وكان عمره آنذاك تسع سنوات، وذلك بعد حفظه لكتاب الله وتمكنه من أصول اللغة العربية. وبهذين يتأهل لدراسة المزيد من علوم الشريعة التي ابتدأها بسماع

1 / 9

اصول - د اسلامي متنونو لپاره څیړنیز اوزار

اصول.اي آی د اوپنITI کورپس څخه زیات له 8,000 اسلامي متونو خدمت کوي. زموږ هدف دا دی چې په اسانۍ سره یې ولولئ، لټون وکړئ، او د کلاسیکي متونو د څیړلو کولو لپاره یې آسانه کړئ. لاندې ګډون وکړئ ترڅو میاشتني تازه معلومات په زموږ د کار په اړه ترلاسه کړئ.

© ۲۰۲۴ اصول.اي آی بنسټ. ټول حقوق خوندي دي.