/ص57/ يبين ذلك أن قائلا لو قال: كتبت الكتاب بين يدي الرئيس، فأخذ الرئيس منه الكتاب ولم يكتب قبل ذلك كتابا بليغا لم يفهم منه أحد، إلا أنه باشر الرئيس الكتاب، ولو قال: السيف بيد الشرطي، فأخذ الرئيس السيف ولم يقتل قبل ذلك، فقتل، لم يفهم منه إلا أنه باشر القتل. وهذا لا ينكره من فهم اللسان العربي، وأنصف نفسه، بل لا يحير غيره إذا كان المخاطب لنا، لم يرد الألغاز (¬1) وتغير الكلام، وإنما خاطبنا بمعتاد التخاطب ومفهوم اللغة. ولو جاز لقائل أن يقول: انما أراد بذلك: فأمر من يكتب، ولا يفتقر في ذلك إلى دليل، لما صح أن يضاف إلى النبي_ صلى الله عليه وسلم_ ولا إلى غيره فغل اللسان العربي. وهذا باطل باتفاق.فإن قيل انما يكون هذا في رئيس قد علم أنه يتأتى منه الكتاب، فأما رئيس قد علم أنه لا يصح منه الكتاب جملة، فانه لا يفهم منه إلا أنه أمر بالكتاب. فالجواب: أنه لا يسلم لكم مخالفكم أنه لا يصح من النبي_ صلى الله عليه وسلم_ الكتاب على الاطلاق، وإنما لا يصح منه الكتاب على الوجه الذي يصح من الواحد منا، تعلما عند بعض القائلين بهذه المقالة، وعلما عند سائرهم. ولكنه يصح منه الكتاب على وجه اظهار المعجز وخرق العادة، وهذا لا يتأتى من غيره، ولا يصح ممن ليس بنبي مثله، فلذلك قلنا: أن من ليس بنبي ولا يحسن الكتابة، لا يحمل قوله: كتب بكل وجه، إلا على أنه أمر بالكتاب، بل لا يصح أن يقال فيه: /ص58/ فأخذ الكتاب ولم يحسن أن يكتب فكتب. وأما النبي_ صلى الله عليه وسلم_ فيصح منه عند مخالفكم أن يكتب على وجه اظهار المعجز وخرق العادة فهو في مسألتنا بمنزلة/ من يكتب من سائر الناس. وقد أجمعنا على أنه لو كان ممن يحسن الكتابة، لم يقتض وصفه بهذا اللفظ، إلا أنه باشر الكتابة بيده. فكذلك وصف النبي_صلى الله عليه وسلم_ بهذا الوصف يقتضي ذلك.
مخ ۳۸