الحمد لله بنعمته تتم الصالحات، وتنمي (¬1) البركات، وصلى الله على محمد نبيه وصفوته (¬2) من خلقه، وآله وسلم تسليما. أما بعد: يا أخي (¬1) _ وفقك الله_ فانك ذكرت لي أنه جرى في مجلسي من تفسير حديث النبي (¬2)_ صلى الله عليه وسلم_، /ص4/ والكتاب الذي قاضى عليه قريشا يوم الحديبية (¬3). أن بعض الناس قد ذكر أن النبي_ صلى الله عليه وسلم_ كتب في ذلك اليوم، ومنع من ذلك بعضهم، وأجريت عما تعلق به كل فريق منهم ما خف حسب ما تقتضيه مجالس المذاكرة ومواضع التعليم، مما لا يعرى عن فائدة للمنتهي، ولا يحير بالاكثار خاطر (¬4) المبتدي. وذكرت أن بعض من (¬5) بلغه ذلك أنكره انكارا جاوز فيه الحد، وأعظم به الخطيئة، (¬6) وزعم (¬7) أن في هذا إبطال المعجزة، ورد الشريعة، وتكذيب القرآن (¬8)، وسألتني (¬9) أن أكتب لك في ذلك ما يعول عليه، وأبسط القول فيه بأكثر مما جرى في المجلس المذكور، وأنسب الأقوال إلى القائلين لها، وأبين وجوهها، ووجه بطلان قول من أعظم انكارها، وأنبه على الصحيح منها. /ص5/ اذ قد وقع فيه من الاشكال، ما أحوج إلى البيان، فأجبتك إلى ما سألت، لما يتعين علي من ايضاح الحق واظهاره، ولما رغبته من منفعتك، وأقصده من تعليمك وتفهيمك. وأنا_ أن شاء الله_ الي من بيان حقيقة المعجز، ورواية هذا الحديث، وأقوال المختلفين في تأويله، وايضاح الحق في ذلك بما فيه كفاية. والكلام في هذه المسألة يكون في ستة أبواب:
أولها: في ذكر المعجز وبيان صفاته التي بها يتميز من غير المعجز.
والثاني: في وجه تعلق كون النبي- صلى الله عليه وسلم- أمسيا بالمعجز. والثالث: في ايراد الحديث المذكور واختلاف الرواة فيه.
والرابع: في ذكر أقوال الناس في تأويل هذا الحديث، وتعلق كل واحد منهم بلفظه، وذكر غير ذلك من وجوه حججه، مما أورده عن نفسه، ومما يلزمني أن أورده له اكمالا لحجته.
والخامس: في إبطال قول من قال: أن في أحد هذه الأقوال: ما يبطل (¬1) به المعجز ويتغير به الشرع أو يرد شيئا من القرآن.
والسادس: في بيان أصح الأقوال في هذه المسألة، وما يجب أن يعتمد عليه منها.
/ص6/ الباب الأول
في ذكر المعجز وبيان صفاته
التي بها يتميز من غير
المعجز
مخ ۳