((إذا مات ابن آدم انقطع عمله))
ومن النصوص المهمة المتصلة بالآية الكريمة الحديث الصحيح المشهور: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)).
وقد شرح هذا الحديث سيدي الوالد الإمام علوي بن عباس المالكي الحسني رحمه الله، فقال: قوله: ((إذا مات ابن آدم ...)) اعلم أن انقطاع ذات العمل بالموت أمر ظاهر، إذ الميت لا يعمل ولا يكلف بعد الموت، وإنما المقصود أن بعض الأعمال تستثمر آثارها حتى بعد الموت فلا ينقطع أجرها بتكرر ذلك. ولذا قال: ((إلا من ثلاث)) أي إلا من خصال ثلاث: ((صدقة جارية)) أي غير منقطعة كحفر بئر، ووقف مصحف، وبناء مسجد ورباط، وقوله: ((أو علم ينتفع به)) يعني به العلم الشرعي: الذي ينتفع به، ويترتب عليه الفوز بالنعيم المقيم والنجاة من العذاب الأبدي. ويدخل في ذلك: تأليف الكتب ووقفها. لأن المراد مطلق الانتفاع: بالمباشرة والتسبب. وقوله: ((أو ولد صالح)) أي مسلم ((يدعو له)): لأنه من كسبه. وقد تفضل الله تعالى بكتابته مثل ثواب سائر الحسنات التي يعملها الأولاد دون آثام السيئات.
وبما تقرر، علم أنه لا حصر في هذه الخصال الثلاث، لأن مفهوم العدد غير حجة، أو لأنه عليه الصلاة والسلام اطلع على الثلاث ثم أطلعه الله على الزائد فضلا منه وإحسانا، لما أخرج ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علما نشره، وولدا صالحا تركه، ومصحفا ورثه، ومسجدا بناه، وبيتا لابن السبيل بناه، ونهرا أجراه، وصدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلحقه من بعد موته)).
فهذا الحديث احتوى على سبع خصال تضم إلى الثلاث الأول: تبلغ عشرا. وقد زاد السيوطي عليها واحدة أيضا. وقد نظم ذلك بقوله:
إذا مات ابن آدم ليس يجري عليه من خصال غير عشر
مخ ۱۰