Tahqiq Al-Wisal Bayn Al-Qalb Wal-Qur'an
تحقيق الوصال بين القلب والقرآن
خپرندوی
مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م
د خپرونکي ځای
القاهرة
ژانرونه
تستبشر به النفوس، وتنشرح له الصدور، حتى إذا أخذت حظها منه عادت مرتاعة قد عراها من الوجيب والقلق، وتَغَشَّاها من الخوف والفَرَق .. ما تقشعر منه الجلود، وتنزعج له القلوب .. يحول بين النفس وبين مُضمراتها وعقائدها الراسخة فيها.
فكم من عدو للرسول ﷺ من رجال العرب وفتَّاكها، أقبلوا يريدون اغتياله وقتله، فسمعوا آيات القرآن، فلم يلبثوا حين وقعت في مسامعهم أن يتحولوا عن رأيهم الأول، وأن يركنوا إلى مسالمته، ويدخلوا في دينه، وصارت عداوتهم موالاة، وكفرهم إيمانًا (١) ..
إن تأثير القرآن على القلوب لا يوجد له نظير، ومن ثمَ فإن من يُحسن التعرض له سيكون من أكثر الناس حبا للسُّنة، وحرصا على تطبيقها، وكيف لا والطاقة المتولدة من كثرة التأثر بآيات القرآن ستدفعه لتطبيق كل ما يستطيع تطبيقه مما يُحبه الله ورسوله.
القرآن والأعمال الصالحة الأخرى:
وليس المقصد كذلك من كلامنا عن القرآن التقليل من شأن بقية الأعمال الصالحة الأخرى، فكل طاعة، وكل عمل صالح له وظيفة في تشييد بنيان الإيمان في قلب المسلم، ولكن المقصد هو وضع القرآن في حجمه الصحيح بالنسبة لتلك الأعمال.
فكما أن للحج أعمالًا كثيرة كالسعي والطواف ورمي الجمار، إلا أن أهم عمل في الحج هو الوقوف بعرفة، فبه يتحقق أهم مقصود للحج من إظهار الذل والانكسار والتَبَؤُّس والافتقار لله ﷿، لذلك قال ﷺ: «الحج عرفة» (٢).
وكما أن للتوبة أعمالًا كثيرة كالإقلاع عن الذنب، ورد المظالم، والاستغفار، إلا أن أهم عمل للتوبة هو الندم، وبدونه لن تتحقق التوبة .. قال ﷺ: «الندم توبة» (٣).
كذلك القرآن بالنسبة للإيمان، فكما أن كل طاعة، وكل عمل صالح من شأنه أن يزيد الإيمان كالصيام والصدقة وغيرهما إلا أن القرآن يُمثل العمود الفقري للإيمان، وبدونه لا يمكن للقلب أن يستعيد عافيته بصورة كاملة، وتُبث الروح في جنباته .. إنه كالماء فيه حياة لكل من شرب منه.
وفي هذا المعنى يقول ابن القيم:
وكل من القلب والبدن محتاج أن يتربى فينمو ويزيد حتى يكمل ويصلح .. وكما أن البدن محتاج أن يرقى بالأغذية المصلحة له، والحمية عما يضره، فلا ينمو إلا بإعطائه ما ينفعه ومنعه مما يضره، فكذلك القلب: لا يزكو، ولا ينمو، ولا يتم صلاحه إلا بذلك ..
ولا سبيل له إلى الوصول لذلك إلا من القرآن، وإن وصل إلى شيء منه من غيره .. فهو شيء يسير لا يحصل له به تمام المقصود (٤) ..
من هنا ندرك مغزى قول عبد الله بن عمرو بن العاص ﵁:
لو بات رجل ينفق دينارًا دينارًا، ودرهمًا درهمًا، ويحملُ على الجياد في سبيل الله، حتى يصبح متقبلًا منه، وبت أتلو كتاب الله حتى أصبح متقبلا مني لم أحب أن لي عمله بعملي (٥).
وكان عبد الله بن مسعود ﵁ ضعيف البنية، وكان يُقل من صيام التطوع، فسئل عن سبب إقلاله من الصوم. فقال: إنه يضعفني عن قراءة القرآن، وقراءة القرآن أحب إلىَّ منه (٦).
وإن تعجب فعجبٌ قول الضحاك بن مزاحم: لولا تلاوة القرآن لسرني أن أكون مريضا. فقيل له: لِمَ؟ قال: لأن المرض يرفع عني الحرج ويُكفر عني الذنوب، ويجرى لي مثل صالح ما كنت أعمل (٧).
_________
(١) التعبير القرآني والدلالة النفسية ص ١٠٨، ١٠٩ نقلا عن البيان في إعجاز القرآن للخطابي ص٦٤.
(٢) صحيح، رواه الإمام أحمد، والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع ص (٣١٧٢).
(٣) أخرجه ابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه.
(٤) إغاثة اللهفان ١/ ٧٦.
(٥) أورده الغافقي في لمحات الأنوار ص ٥٥، وابن أبي شيبة في مصنفه (١٠/ ٥٠٨).
(٦) فضائل القرآن لأبي عبيد ص ٦٢.
(٧) ابن أبي شيبة (١٣/ ٥٨٠) كتاب الزهد (٢٣٩٩).
1 / 9