القسم الثاني الكلام في حدوث العالم وإثبات المحدث وصفاته
مسألة في وجوب النظر
الذي نقول في ذلك: إن أول ما يجب على المكلف النظر في طريق معرفة الله تعالى، ثم النظر في طريق معرفة صفاته، ثم في عدله، ثم في النبوات على الترتيب.
ومن الناس من يقول: إن المعارف ضرورة، ومنهم من أوجب النظر وقال: المعرفة تحصل عنده طباعا، ومنهم من عول على التقليد وزعم أن الخوض في الكلام بدعة والواجب هو التقليد، فيقال له: هل يجب العلم بالديانات على المكلف أم لا؟
فإن قال: لا يجب. خالف العقول؛ لأن العاقل إذا رأى اختلاف الناس في ذلك وما توعد كل أحد صاحبه من الوعيد لا شك يحصل خائفا وعند الخوف لا بد من طلب أمر يأمن به من ذلك ويعلم الحق، وقد قال تعالى: ?فاعلم أنه لا إله إلا الله?[محمد:19]، ووردت السنة بذلك، وانعقد الإجماع على أن الجهل بالله كفر.
وإن قال: بلا يجب.
قلنا: فبماذا تحصل المعارف؟.
فإن قال: بالتقليد.
قلنا: فلم صار تقليد بعض العقلاء أولى من بعض.
ويقال له: هل يأمن بالتقليد أنه محق؟.
فإن قال: نعم. لزمه في كل مقلد، وإن قال: لا.
قلنا: فكيف يثق بشيء لا أمان له فيه، ولا يأمن من كونه مخطئا ضالا؟.
فإن قال: يثق إذا قلد الأكثر أو من هو أعلم وأورع.
قلنا: فمع هذا هل يجوز أن يكون مبطلا؟ فلا بد من نعم، قلنا: فكيف يأمن من أنه على ضلال؟ وأيضا أيجوز أن تتغير الحال فيصير الأقل أكثر والأكثر أقل، والأفضل مفضولا والمفضول أفضل؟.
فإن قال: لا. كابر العقول، وإن قال: نعم، وجب فيما كان حقا أن يصير باطلا، وفيما كان باطلا أن يصير حقا.
مخ ۳۶