قلنا: قيل: إن جبريل قرب منه على رمكة وديق وهو على فرس حصان، فلم يملك ضبطه حتى دخل البحر، وقيل: كان ثم قلة تفكر، وقيل: رأى كثيرا من المعجزات ونجا منها، فظن البحر كذلك، والعناد والتعصب يعمي ويصم، وقيل: إنه تعالى قوى دواعيه لدخوله ليهلكه، وأنتم تنظرون قيل: ترونه وتعاينونه، عن أكثر المفسرين، وقيل: ليس هو الرؤية، وإنما كقولك: ضربت وأهلك ينظرون فما أتوك، عن الفراء، وليس بالوجه؛ لأنهم عاينوا فلق البحر، والتطام الماء، وغرق آل فرعون، وإذا صح حمله على. ظاهره فلا معنى للعدول عنه، وقيل: وأنتم تنظرون إلى التطام البحر عليهم، وقيل: تنظرون إلى نجاتكم وهلاك قوم فرعون ومصارعهم، عن الأصم، وفي هذا زيادة نعمة؛ لأن من رأى عدوه يهلك مع كونه معافى كان السرور أتم، ويجب الشكر على النعمتين.
* * *
(الأحكام)
الآية تدل على آيات باهرة لموسى من فرق البحر، ونجاة قومه، وغرق آل فرعون.
ومتى قيل: كيف لم يسو الله بين الخلق في هذه الآيات التي أعطيت بني إسرائيل؟
قلنا: كانت الآيات إنما تجيء على قدر الحاجة، وبحسب المصلحة، فبحسب اختلاف المصالح اختلفت الآيات.
وتدل على أن هلاك الظالم نعمة يجب عليها الشكر، ولا يجوز التأسف عليه، وتدل على أن تفريق البحر كان لطفا لبني إسرائيل، ومعجزة لموسى، وداعيا لفرعون وقومه إلى الإيمان.
وتدل على نبوة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لما أخبرهم عن أسرار ما في كتبهم، مع كونه أميا لم يقرأ كتابا، فدل من هذا الوجه على نبوته.
(القصة)
يقال: كيف كان نجاتهم وغرق فرعون؟
قلنا: قال ابن عباس: أوحى الله إلى موسى أن أسر بعبادي ليلا، فسرى موسى ببني إسرائيل، وأتبعهم فرعون في ألف ألف حصان سوى الإناث، وكان موسى في ستمائة ألف، فمروا حتى هجموا على البحر، فالتفتوا فإذا هم برهج دواب فرعون، فقالوا: يا موسى هذا البحر أمامنا، وهذا فرعون قرب منا، فقال موسى (عليه السلام): عسى ربكم أن يهلك عدوكم، وأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر، وأوحى الله إلى البحر أن اسمع لموسى وأطع، فضرب موسى البحر بعصاه فانفلق،
مخ ۳۷۹