Tahdheer 'Uloom al-Hadith

Abdullah Al-Judai d. Unknown

Tahdheer 'Uloom al-Hadith

تحرير علوم الحديث

خپرندوی

مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

د خپرونکي ځای

بيروت - لبنان

ژانرونه

ـ[تحرير علوم الحديث]ـ المؤلف: عبد الله بن يوسف الجديع الناشر: مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، ١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م عدد الأجزاء: ٢ [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

ناپیژندل شوی مخ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، وأشْهد أن لا إله إلاَّ الله وحْده لا شريك له وليُّ الصَّالحين، وأشْهد أنَّ محمَّدًا عبْده ورسوله النَّبيُّ الصَّادقُ الأمينُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحْبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا دائمًا إلى يوم الدّين. أما بعد. . فإنَّ العلم بهذا الدّين يَقوم على معرفة كتاب الله وسنَّة نبيِّه ﷺ، وقد تكفَّل اللهُ ﵎ للنّاس بحفظ ما تقوم عليهم به الحجَّةُ وتلْزمهُم الشَّرائع، كما قال: ﴿إنّا نحن نزَّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون﴾ [الحجر: ٩]، فسخَّر لهُ من عِباده من كانوا أسبابًا في حفظه وبَقائه. وهذا الحفظ حقيقةٌ مُشاهدةٌ في حفظ الكتاب العزيز. ولمّا نصّ الله ﷿ فيه على أنَّ معرفته لتقوم الحجُّة على العباد موقوفةٌ على بيان رسوله ﷺ، كما قال: ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتُبيّن للنَّاس ما نزّل إليهم﴾ [النّحل: ٤٤]. ولأجله فرض الله طاعته ﷺ في آيات كثيرة، لزم أن يكون حفظ بيانه ممَّا يندرج ضِمنًا تحْت حفظه تعالى للذِّكر. ومعرفة ما جاء به الرَّسول ﷺ ممَّا هو بيانُ القرآن، لا طريق إليها إلاّ بمعرفة المنقول عنه، وبالضَّرورة علمنا أنَّ ذلك المنقول لم يَصلنا كَما وصلنا القرآنُ، وإنَّما هيَ الرِّوايةُ الَّتي يغْلب عليها نقْل الفَرْد، أو الأفراد

1 / 5

القليلين عن أمثالهم، وما عاد إلى مثل ذلك، جاز عليه ما يجوز أن يقع من غير معْصوم، كالخطأ والوَهْم، بل والكذب. لذا كان العمَل على تمييز الصَّحيح من السَّقيم فرْضًا على الأمّة، أن توجد من بينها من يُحقِّق لها الكفاية فيه، حيثُ لا سَبيل إلى معرفة بيان الرَّسول ﷺ إلا بذلك. ولا شكَّ أنّ السُّنَّة أساسٌ يقوم عليه نظر الفَقيه ويبْني عليه اجتهاده، كالقرآن العظيم، فإن لم بتيَّن له ما يصحُّ أنّه سنَّة مما لا يصحُّ، فعلى أي أساس سيقيم بنيانه؟ من أجل ذلك أدرك الأولون أنَّ تمييز الصحيح من السقيم ضرورة للفقيه، ومقدمة لابد منها، فحرروا وحققوا، واجتهدوا في نخل المنقول، ولم يزل يناظر بعضهم بعضًا ويرد بعضهم على بعض في شأن صحة نقل الدليل، ولم ينظروا إلى هذه المقدمة إلا كجزء من المقدمات الضرورية للاستدلال. قال الإمام علي بن المديني: التَّفقه في معاني الحديث نصف العلم، ومعرفة الحديث نصف العلم "، أراد بمعرفة الحديث: تمييز صحيحه من سقيمه. وعد معرفة ما يثبت من الحديث ممّا لا يثبت شرطًا في المجتهد والمفتي، ممّا لا ينبغي أن يُرتاب فيه، فإنّه إن لم يفهم ذلك صار ولا بدّ إلى أن يبني ويفرع على ما لا يثبت به دين من الرّوايات. قال الإمام عبد الرحمن بن مهدي: " لا يجوز أن يكون الرجل إمامًا، حتىّ يعلم ما يصح ممّا لا يصح، وحتى لا يحتج بكل شيء، وحتى يعْلم مخارج العلم ".

1 / 6

وهذا يبيّنه الحافظ أبو حاتم بنُ حبّان بقوله: " من لم يحفظ سُنن النّبيّ ﷺ، ولم يحسن تمييز صحيحها من سقيمها، ولا عرف الثّقات من المحدثين، ولا الضعفاء والمتروكين، ومن يجب قبول أفراد خبره ممن لا يجب قبول زيادة الألفاظ في روايته، ولم يُحسن معاني الأخبار، والجمع بين تضادّها في الظواهر، ولا عرف المفسّر من المجمل، ولا المختصر من المفصّل، ولا النّاسخ من المنسوخ، ولا اللّفظ الخاصّ الذي يراد به العامّ، ولا اللّفظ العامّ الّذي يراد به الخاصّ، ولا الأمر الّذي هو فريضة وإيجاب، ولا الأمر الّذي هو فضيلةٌ وإرشاد، ولا النّهي الّذي هو حتْمٌ لا يجوز ارتكابه، من النّهي الذي هو ندب ٌ يباح استعماله، مع سائر فصول السّنن وأنواع أسباب الأخبار: كيف يستحلّ أن يفتي، أو كيف يسوِّغُ لنفسه تحريم الحلال، أو تحليل الحرام، تقليدًا منه لمن يخطئ ويُصيب؟ ". قلت: وفي هذا منع لطائفتين من النّاس أن تتكلّم في الحلال والحرام ابتداءً: الأولى: من لهُم بالحديث عناية وتخصّص، في تمييز صحيحه من سقيمه، الموجب للمعرفة برواته من تمييز المقبول والمردود، لكن ليس لهم حظٌ من علوم أصول الفقه، ولا مراس لفروعه، فهؤلاء لا يقدر أحدهم أن يستنبط ويجتهد؛ لفقْده آلةَ النَّظر في الأحكام. فلتتّق الله طائفة تسلّقت جدار الفقه، حيث لم تأته من بابه، ولا أعطيت الإذْن من بوّابه، فحظُّ مثل هؤلاء فقء العين حتّى لا تنظر إلى ما لا يباح، وفي أهل زماننا من هؤلاء خلق، عافى الله العلم منهم. والثانية: من لهم اشتغال بالفقه، ومعرفةٌ بطرقه وأصوله، وفهم لدلالات النّصوص ومعانيها، ولكنّهم لا يميّزون بين رواية مقبولة ومردودة،

1 / 7

فترى أحدهم يبني الأحكام على ضعيف الأخبار، بل على ما لا أصل له وباطل من الرّوايات؛ لأنّه لا يدري الصّحيح من السّقيم، فهذا حين يفرض على النّاس شيئًا أو يحرّم عليهم، وكان قد بنى على رواية لا تصحُّ، فقد نسب إلى الدّين ما ليس منه، وأورد الحرج على المكلّفين فيما أتاهم به من حُكم بناه على غير أساس، فكم يحمل على كاهله من حرج؟! بل مثل هذا لا يُدرى ممن علمِه في التّحقيق ما بُني على دليل صحيح وما بُني على غيره، وهو نفسه لا يعرف ذلك. قال علي بن الحسن بن شقيق المرْوزيّ (وكان ثقة): سمعت عبد الله (يعني ابن المبارك) يقول: " إذا ابْتليتَ بالقضاء، فعليك بالأثر "، قال عليّ: فذكرته لأبي حمزة محمد بن ميمون السّكريّ، فقال: " هل تدري ما الأثر؟ أن أحدّثك بالشّيء فتعمل به، فيقال لك يوم القيامة: من أمرك بهذا؟ فتقول: أبو حمْزة، فيُجاء بي، فيقال: إنّ هذا يزعم أنّك أمرته بكذا وكذا، فإن قلت: نعم، خلّي عنك، ويقال لي: من أين قلت هذا؟ فأقول: قال لي الأعمش، فيُسأل الأعمش، فإذا قال: نعم، خلّي عنّي، ويقال للأعمش: من أين قلت؟ فيقول: قال لي إبراهيم، فيُسأل إبراهيم، فإن قال: نعم، خلّي عن الأعمش، وأخذ إبراهيم، فيقال له: من أين قلت؟ فيقول: قال لي علقمة، فيُسأل علقمة، فإذا قال: نعم، خلّي عن إبراهيم، ويقال له: من أين قلت: فيقول: قال لي عبد الله بن مسعود، فيُسأل عبد الله، فإن قال: نعم، خلّي عن علقمة، ويقال لابن مسعود: من أين قلت؟ قال: فيقول: قال لي رسول الله ﷺ، فيُسأل رسول الله ﷺ، فإن قال: نعم، خلّي عن ابن مسعود، فيُقال للنبيّ ﷺ، فيقول: قال لي جبريل، حتى ينتهي إلى الرّبّ ﵎، فهذا الأثر، فالأمر جدٌ غير هزل؛ إذْ كان يشفي على جنّة أو نار، ليس بينهما هناك

1 / 8

منزلٌ، وليعْلم أحدكم أنّه مسؤولٌ عن دينه وعن أخذه حلّه وحرامه ". نعم، لا حرج أن تستعين الطَّائفتين ببعضهما، فـ"ربَّ حامل فقه غير فقيه، وربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه "، لكن أن يستقلَّ كلٌّ بنفسه فيأخذ بالنَّصيبيْن وهو لا يفهم اختصاص الآخر، فهذا من الجِناية على العلم. والكامل من وفقه الله ليضْرب بنصيب هؤلاء وأولئك، وهو الواجب فيمن يكون للنَّاس إمامًا. وعلوم الحديث علوم آلة تستعمل للكشف عن السُّنن الصَّحيحة المرويَّة عن رسول الله ﷺ من بين نقْل كثير اختلط فيه الغثُّ بالسَّمين، وألَّف فيه من المؤلفات ما يعْسُرُ عدُّه. وهذه العلوم بدأت في أول أمرها علومًا تطبيقيّة غير مؤصّلة تأصيلًا نظريًا من أجل تقريبها وفهْمها، وتيسير استعمالها، بل دفعت ضرورة تمييز السُّنن الصّحيحة من غير أئمة الأمة في الصدر الأول إلى الاجتهاد بما هدتْ إليه العقول من أجل التحقق من صحة النقل، حتى نما ذلك مع نموِّ الأسانيد وكثرتها، إذ كلَّما بعُد الزمان عن زمن التّلقيّ وهو عهد النُّبوة، فإن الأسانيد تطول، وطولها موجبٌ الزِّيادة في التحري، فصار هذا العلم إلى التَّقنين؛ تلبيةً لما أوْجبته الحاجةُ، على ما سيأتي بيانه في موضعه. وجرى النّاس من بعْدُ على صياغة قواعد هذه العلوم كما صنعوا في التأصيل لسائر علوم الآلات، كالعربيّة، وأصول الفقه، واستمرّ عند المحقّقين في هذا العلم التَّحرير والتَّقريب والتَّيسير، إلى زماننا، وأكثر العناية فيه كانت في مُصطلحاته، حتى غلب على هذه العلوم تسمية (مصطلح الحديث).

1 / 9

وصار لها في الزَّمن المتأخر عند المعْتني بها، ما صارَ لسائر علوم الآلة، كأصول الفقه، أن تدرس كعلوم نظريّة، لا تستعمل في الواقع، إلى أن تجرَّأ طائفة من الطّلبة في هذا الزَّمان فصاروا إلى استعمال تلك المصطلحات للحُكم على الأسانيد المرويَّة، اكتفوا بمصطلحات ظاهرة قصدت عند صياغتها أن يحفظها الصِّبيان في الكُتَّاب، حسِب هؤلاء أنَّ هذا هو منتهى الطَّلب لهذا العلم، إلاَّ نفرًا يسيرًا أدركوا وعورة الطريق، فسلكوه متأنِّين حذرين، مجتهدين في اتّباع علامته. وقد رأيت تلك العلامات تحتاج إلى ترميم، ومنها ما يحتاج إلى إعادة بناء، فكما قصدت إلى تقريب (أصول الفقه) الّتي هي علامات المرور في طريق الفقه، فكتبت " تيسير علم أصول الفقه "، وقرّبت ما ينبغي العلم به مُحرّرًا للإقبال على كتاب الله ﷿، فكتبت " المقدمات الأساسيّة في علوم القرآن "، فكذلك وجب إتمام القصْد في علوم الآلة أن آتي على علوم الحديث، فأحرِّرها، لا اكتفاء بتقريب مصطلحاتها، بل بصياغتها بأتمِّ صيغة ممْكنة، مؤصّلة من منْهج أهلها. وهذا عِلْمٌ لي منذ تلقيته ما يزيد اليوم على ربع قرْن من الزّمان، وأنا أعالجه وأعانيه، وكنت أجد إلحاحًا من داخلي بضرورة أن أصوغه مستوْعب الأبواب وبأسلوب عصْرانيِّ العرْض تيسيرًا على الطُّلاب، دون إخلال بشيْء من مراد أهله، مع ما انضمّ إلى ذلك من سؤال من كثير من طلبة هذا العلم الحريصين على تحقيق مسائله وتحريرها، حتى صارت زبْدةُ الأفكار والمقيَّد من المسائل والآثار، إلى هذا الكتاب الذّي بين يديك. طريقة المتقدّمين، وطريقة المتأخّرين: شاع بين كثير من طلبة هذا العلم في هذا الزّمان نِزاعٌ بين ما سمّوه (طريقة المتقدّمين) و(طريقة المتأخّرين) في علوم الحديث. وتحرير محلِّ النّزاع: أن أصحاب التَّفريق رأوا علماء الحديث

1 / 10

المتأخرين صاروا إلى الحكم على الأحاديث على ما تقتضيه ظواهر الأسانيد، والتَّقليد لعبارات بعض متأخري العلماء في الحُكم على الرُّواة، دون مُراجعة لكلام أئمة الجرح والتَّعديل، إذ كثيرًا ما يختلفون في الرّاوي، كذلك دون اعتبار للعلل الخفيّة في الرّوايات. وأيضًا، رأوا للمتأخرين تساهلًا في إطلاق المصْطلحات، والتَّوسُع في قبول الحديث المعلول، بيْنما كان الأوّلون يردُّون مثل تلك الأحاديث. ومن تساهلهم: تهوين العبارة في الرّواة، كإطلاق وصف (ضعيفٌ)، أو (فيه ضعفٌ) على الرّاوي الواهي السّاقط، مما يُسهِّل أمره، ويجعل حديثه مقبولًا ولو اعتبارًا، من أجل خفّة هذا اللّفظ المتأخر في الجرح. وكذلك يقولون في الحديث: (ضعيفٌ)، وهو في الواقع (موضوعٌ) مثلًا. وأقول: لا ريْب في صحّة هذا المأخذ، لكن إطلاقه ليس بمحمود، فإنَّ لمتأخّري العلماء تحريراتٍ نافعةً في هذا العلم، كالحُفّاظ: أبي بكر البيهقيّ، والخطيب البغداديّ، وابن عبد البرّ الأنْدلسيّ، فأبي الحجاج المزّيّ، فالذّهبيّ، وابن كثير الدّمشقي، وابن قيّم الجوزيّة، وابن رجب الحنبليّ، فأبي الفضْل العراقيّ، فابن حجر العسقلانيّ، وغيرهم. وإن كان التّساهل المشارُ إليه يقع من غيرهم، وربّما من بعضهم تارةً، فإنّه لا يصلح أن يقام النِّزاع المورثُ إعراضًا عند بعض النّاس عن تحريرات مثل هؤلاء الأعلام. وهذا العلم في تحرير من تقدَّم جميعًا مرْجعه إلى طريقة المتقدّمين، فلا غنى لهم عن منهاج أهله، كمالك بن أنس، وشُعبة بن الحجَّاج، وسفيان الثّوريّ، ويحيى بن سعيد القطّان، وعبد الرّحمن بن مهديّ، وأحمد بن حنبل، وعليّ بن المدينيّ، ويحيى بن معين، والبُخاريّ، ومسلم بن الحجّاج، وأبي زُرعة الرّازيّ، وأبي حاتم الرازيّ، وأبي داود السّجستانيّ، والتّرمذي، والنّسائي، وإخوانهم من متقدّمي أئمة هذا الشّأن.

1 / 11

وأما منهاجي في هذا الكتاب، فقد بنيتُ فيه تحرير أصول هذا العلم على طريق السّلف المتقدمين، واستفدت من تحريرات المتأخرين، وعدلْتُ عن ابتكاراتهم في هذا الفنّ؛ لأنهم جروا على التَّنظير في أكثر ما انفردوا به، خصوصًا أهل الأصول منهم، وهذا العلم مستنده إلى النّقل، وإلى التَّبصُّر في منهج أهله. فبوْنٌ كبيرٌ مثلًا بين كلام أهل الفنّ في تحرير معنى العدالة والجهالة ومراعاتهم لواقع النّقلة، وبين ما ضمّنه متأخرو الأصوليّين كتبهم في تفسير ذلك، والّذي تأثروا فيه بمعناها عند القضاة وداخلوا بين هذا الباب وذاك، ولم يضربوا له من الأمثال من أحوال النّقلة ما يكشف حقيقته. واجتهدت وُسْعي في ضرب الأمثال من واقع الحال لا من نسْج الخيال، تقريبًا لمسائل هذا العلم. واستبعدت من مباحث هذا الكتاب من الأبواب: غريب الحديث، وفقه الحديث، ومشكل الحديث، والنّسخ في الحديث. إذ ما كان منها يرجع إلى تأصيل، فتأصيله فيما حرَّرْته في (أصول الفقه) من القواعد، ومنها ما حرّرْته أيضًا في (علوم القرآن) كالنّسخ، لاشتراك السُّنن فيه مع القرآن. ومنها ما هو تعريفي محضٌ، كغريب الحديث، إذ المراد به غريب الألفاظ، فهذا له كتُبُه الخاصّة، وليس علمًا تأصيليًا. كما ألغيْتُ ذكر بعض المسائل جرت كتب مصطلح الحديث على ذكرها في وقْت لم تزل فيه الرّواية والإسناد، واليوم قد استغنى النّاس عن التّقنين لها، إذ لم تعدْ تستعمل. مثل مسألة: (من ينسخ وقْت القراءة والعرْض على الشيخ)، فهذه لا تكادُ ترى لها تأثيرًا في الواقع التّطبيقيّ.

1 / 12

كذلك الجانب التّنظيري لما انتهت الحاجة إليه، كاعتبار السِّنِّ عند الأداء. وجريْتُ في جميع ما ذكرتُ على توثيق النَّقل، بإحالة النّصوص إلى أصحابها، مستفادةً من معتمد مصادرها، مع اتّباع قوانين الفنّ في اعتماد ما يثبت نقله عن قائله في جميع مادّة الكتاب. والله ﷿ أسأل أن ينفع به، وأن يكون قرَّةَ عين لطالب لعلم قلَّ فيه الرّاغب، وأن يغفر لي ما زلّ به الفكر والرّأي والقلم، هو المستعان وعليه التُّكلانُ. وكتب أبو محمد عبدُ الله بن يوسُف الجُديع يوم الجمعة ٢٠ من ذي الحجّة ١٤٢٣هـ الموافق ٢١/ ٢ / ٢٠٠٣ م مدينة ليدز - المملكة المتحدة

1 / 13

مدخل: مقدمات تعريفية

1 / 15

المبحث الأول: علم الحديث: تعريفه، تاريخه، أقسامه ١ - تعريف علم الحديث: العلمُ: معرفة الشيء. والحديثُ في الأصل يطلق على: الجديد من الأشياء، ويطلق على الخبر. ومنه قوله تعالى ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا﴾ [النِّساء: ٨٧]، وقوله: ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾ [سَبَأ: ١٩]. وفي الاصطلاحِ: ما أضيف إلى النبي ﷺ من قولٍ، أو فعلٍ، أو تقريرٍ، أو صفةٍ. فالقول: هو الألفاظُ النَّبويَّة. مثلُ: حديثِ معاوية من أبي سفيان، ﵁، قال: سمعت النبي ﷺ يقول: " من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين " (١).

(١) حديث صحيح، متفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: ٧١، ٢٩٤٨، ٦٨٨٢) ومسلم (٢/ ٧١٩).

1 / 17

والفعل: هو التصرفات النبوية العملية. مثل: حديث عبد الله بن عباس، ﵄: أنه توضأ فغسل وجهه، ثم أخذ غرفة من ماء فمضمض بها واستنشق، ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا، أضافها إلى يده الأخرى فغسل بهما وجهه، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح برأسه، ثم أخذ غرفة من ماء فرشَّ على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله، يعنى اليسرى، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله ﷺ يتوضأ (١). والتقرير: ما يقع من غيره ﷺ باطِّلاعه أو علمه فلا ينكره. مثل حديث عائشة، ﵂، قالت: لقد رأيت رسول الله ﷺ يومًا على باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد، ورسول الله صلى الله وعليه وسلم يسترني بردائه أنظر إلى لعبهم (٢). والصِّفة: خصائص بشريَّته ﷺ فيما لا يرجع إلى كسبه وعمله، مثل: حديث البراء بن عازب، ﵁، قال: كان رسول الله ﷺ أحسن الناس وجهًا، وأحسنهم خلقًا: ليس بالطويل البائنِ، ولا بالقصير (٣). ولا يدخل في الصفة بهذا التَّفسير ما يحبه أويكرهه ﷺ من الأفعال والأحوال، وإنما يَنْدرجُ هذا النَّمطُ من الأحاديث تحت (الفعل) باعتبار الصادر عنه ﷺ على وفق محبته أو كرهِهِ، مثل:

(١) حديث صحيح، أخرجه البخاري (رقم: ١٤٠). (٢) حديث صحيح، متفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: ٤٤٣) ومسلم (٢/ ٦٠٩)، وقد استوعبتُ طُرقه وألفاظه في كتابي " الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام ". (٣) حديث صحيح، متفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: ٣٣٥٦) ومسلمٌ (٤/ ١٨١٩).

1 / 18

حديث عائشة، ﵂، قالت: كان النبي ﷺ يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله: في طهوره وترجله وتنعله (١). هل يدخل في (الحديث) ما أضيف إلى من دونَ النبي ﷺ؟ ما يضاف إلى صحابيٍّ أو تابعيٍّ أو من بعدهم من الأخبار يسمى (حديثًا) من حيث اللغة، لكن الاصطلاح جرى غالبًا على إرادة ما يضاف إلى النبي ﷺ خاصة، حتى صار يتبادر إلى الذِّهن عند الإطلاق حين يُقال مثلًا: (في المسألة حديثٌ) أنَّه عن رسول الله ﷺ. فدفعًا للإيهام، لا ينبغي إطلاق لفظ (حديثٍ) على غير ماورد عن النبي ﷺ. الفرق بين الحديث والسنة: السنة في المعنى الأُصوليِّ مساويةٌ للحديث بالتعريف المتقدّم عن أهل الحديث، دون قيد (أو صفة)، واستثناء الصفة النبوية من جملة السنن إنما وقع من أجل أن محل الكلام في السنة هو اعتبار كونها من مصادر التشريع، وهذا لا يَنْدرجُ تحته الأوصاف الذَّاتية، وإنما يستفاد من الأقوال والأفعال والتقريرات النبوية. الأثر: من (أثَرْتُ الخبرَ) إذا رويته. ومن العلماء من يخصُّ الأَثر بـ (الموقوف) على الصحابي أو من دونه، كالتَّابعي.

(١) حديث صحيح، متفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: ١١٦، ٤١٦، ٥٠٦٥، ٥٥١٦، ٥٥٨٢) ومسلم (١/ ٢٢٦).

1 / 19

ومنهم من يسمي كلَّ رواية أثرًا؛ بغضِّ النظر عمن أضيفت إليه، ومنه قولهم: (التفسير بالمأثور) فإنَّه يد خل فيه الأحاديث النّبوية والمنقول عن الصحابة والتابعين. وكتبٌ كثيرة ٌُ سمِّيت بـ (الآثار) وفيها الحديث النَّبويُّ وغيره، كـ (الآثار) للإمام محمد بن الحسن الشَّيباني صاحب الإمام أبي حنيفة، بل منهم من سمّى كتابه بذلك ومراده الحديث النّبوي، كما في " شرح مشكل الآثار " و" شرح معاني الآثار " كلاهما لأبي جعفر الطَّحاوي، و" تهذيب الآثار " لابن جرير الطَّبري. علوم الحديث: هي المعارف المتّصلة بالحديث من جهة نقله ومعرفة صحيحه من سقيمه. والألقاب المتعارف ُ عليها عند أهل هذا الفن بـ (علم مصطلح الحديث) والآتي تفصيلها، هي القاعدة العامّة لهذه العلوم. ٢ - تاريخ علم الحديث: مبدأ ظهور هذا العلم: الكلام في النقلة فنٌّ قديم من فنون هذا العلم، يعود إلى عصر الصحابة، وقد ورد عنهم في ذلك آثار قليلة، إليك بعضَ أمثلتها: ١_ عَن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: إن نوفًا البكاليَّ يزعم أن موسى ﵇ ُصاحب بني إسرائيل ليس هو موسى صاحب الخضر ﵇، فقال: كذب عدو الله، سمعت أُبي بن كعب يقول: سمعت رسول الله ﷺ

1 / 20

يقول: " قام موسى ﵇ خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أي الناس أعلم؟ " فذكر الحديث بقصته مع الخضر (١). ٢ - وعن حُميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان يُحدِّث رهطًا من قريش بالمدينة وذكر كعب الأحبار، فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لَنَبْلو عليه الكذب (٢). فتلاحِظ في هذين المثالين أنَّ الكلام وقع في رجلين من غير الصحابة يعرفان بالرواية عن أهل الكتاب، ولم يكن الصحابة يكذِّب بعضهم بعضًا في النقل عن رسول الله ﷺ، وإنما خطَّأ بعضهم بعضًا في أحرف يسيرة كما وقع فيما استدركته عائشة أم المؤمنين على بعض الصحابة (٣)، وعلّة ذلك أن نقلة الأحاديث عن النبي ﷺ إنما كانوا العدول ولذلك لم يكن الناس يومئذ يعتنون بالإسناد حتى ظهرت الفتن وتباعد العهد وصار النقل إلى التابعين بعد الصحابة. فعن مجاهد بن جبر المكي، قال: جاء بُشير العدوي إلى بن عباس، فجعل يحدث ويقول: " قال رسول الله ﷺ، قال رسول الله ﷺ، " فجعل ابن عباس لا يأذن (٤) لحديثه ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عباس، مالي لا أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله ﷺ ولا تسمع، فقال ابن عباس: إناكنّا مرَّة إذا سمعنا رجلًاَ

(١) متفق عليه، أخرجه البخاري (رقم: ١٢٢، ٣٢٢٠، ٤٤٤٨، ٤٤٤٩، ٤٤٥٠) ومسلم (رقم: ٢٣٨٠). (٢) أخرجه البخاريُّ في " الصحيح " (٦/ ٢٦٧٩) بصورة التعليق، وهوَ موصولٌ في " تاريخه الأوسط " (رقم: ٢٠١) بإسناد صحيح. (٣) كما جمع أمثلةَ ذلك الحافظ بدرُ الدين الزركشي في كتاب " الإجابة لإيراد ما استَدركتْه عائشة على الصحابة ". (٤) يأذن: يستمع.

1 / 21

يقول: " قال رسول الله ﷺ " ابتدرتْه أبصارنا، وأصْغينا إليه بآذانِنا، فلما ركب الناس الصَّعب والذَّلول لم نأخذ من النّاس إلا ما نعرف (١). وقال الإمام التابعي محمد بن سيرين: " لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سمّوا لنا رجالكم، فيُنظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم ... (٢). ثم منذ ذلك الوقت بدأ شيوعُ الاعتناء بالأسانيدِ والكلام في النَّقَلة ونقد الراويات، وكلما تأخر العهد زاد ذلك. فتكلَََّم طائفةٌ من التابعين بكلام منثور في ذلك، منهم: سعيد بن جبير، وسالم بن عبد الله عمر، ... وعطاء بن أبي رباح، وعروة بن الزبير، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وعامر الشعبي. ثم الكلام بعد هؤلاء أكثر كالزهريِّ، وأيوب السختيانيِّ، والأعمش. حتى جاءت طبقة أتباع التابعين فصار هذا العلم إلى النُّضوج، وعلتُّه ترجع إلى كثرة الكذابين، وطولِ الإسناد الذي يزيد معه الوهم والغلط وتعمُّد الإسقاط من رجاله تخفيفًا، فظهر أمثال شعبة بن الحجَّاج، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والأوزاعي. ومن بعد طبقة تلامذتهم كيحي القطَّان، وعبد الرحمن بن مهدي. ثم تلامذتهم كأحمد بن حنبل، ويحي بن معين، وعلي بن المدينيِّ، وإسحاق بن راهُوَيه، وعمرو بن علي الفلاَّس. وهذا وقتٌ بدأ يظهر فيه التَّصنيف في علوم الحديث، لكن في أبواب منه مخصوصة، كـ (الجرح والتَّعديل) و(علل الحديث) و(تواريخ النَّقلة).

(١) رواه مسلم في " مقدمة صحيحه " (ص: ١٣) بإسناد صحيح. (٢) رواه مسلم في " مقدمة صحيحه " (ص: ١٥) وغيره بإسناد صحيح، ويأتي له مَزيدُ تخريج في موضع آخر من هذا الكتاب.

1 / 22

وتطوَّر وكثر الكلام في تلك العلوم فيمن بعده، لكنَّها بقيت دون أن تخصَّ مصطلحاتها بتصنيف بعد، إلى زمان الإمام أبي محمد الحسن بن عبد الرحمن الرَّامُهرمزيِّ (المتوفى سنة: ٣٦٠) فصنَّف أول كتاب مفرد في علوم الحديث سمَّاه: " المحدِّث الفاصل بين الرَّاوي والواعي " ثم توالى الناس على التصنيف فيه. وأنفع المؤلفات فيه كتب الخطيب البغدادي، وأجلها: " الكفاية " ثم مؤلف الإمام أبي عمرو ابن الصَّلاح: " علوم الحديث " المعروف بـ (المقدِّمة). ٣ - تقسيم علوم الحديث: علوم الحديث من حيث الإجمال تنقسم إلى قسمين كلِّيِّين: القسم: الأول علم رواية. وموضعه: ما أضيف إلى النبي ﷺ أو من دونه من صحابي أو تابعي، من جهة العناية بنقل ذلك وضبطه وتحرير ألفاظه. وبعبارة أخرى: هو العناية بمتن الخبر من جهة نصِّه خاصة: ويندرج تحته أصناف من علوم الحديث، منها: المرفوع، والموقوف، والمقطوع، وغريب الحديث، ومختلف الحديث. والقسم الثاني: علم دراية. وموضعه: من السَّند والمتن من جهة العلم بأحوالهما. ويندرج تحته: تمييز المقبول من المردود، وعلم الجرح والتَّعديل وتواريخ الرواة، وعلل الحديث، وغيرها. تعريف السند والمتن: السند: هو سلسلة الرواة التي حصل بها تلقِّي الخبر.

1 / 23

ولك أن تسمِّيه: (الإسناد) والفرق بينهما في علم الحديث صوريٌّ. المتن: هو الكلام (أو النَّص) الذي انتهى إليه السند. واعلم أن الإسناد من خصائص هذه الأمة، وقد أخبرت النصوص النبويَّة الثابتة عن وقوعه قبل ... أن يعرفه الناس، كما في حديث عبد الله بن عباس، ﵄، قال: قال رسول الله ﷺ: " تسمعون، ويُسمع منكم، ويسمع ممَّن يسمع منكم " (١) وقال عبد الله بن المبارك، " الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء " (٢) والإسناد هو الطريق الموصل إلى ثبوت المتن ولا خيَر في متن بلا إسناد. عن يحي بن سعيد القطَّان، قال: لا " تنظروا إلى الحديث، ولكن انظروا إلى الإسناد، فإن صح الإسناد وإلا فلا تغترَّ بالحديث إذا لم يصح الإسناد " (٣) والذي يحتاج إليه من الإسناد قد فرغ منه، حين دوِّنت الكتب في

(١) أخرجه أحمد (رقم: ٢٩٤٥) وأبو داود (رقم: ٣٦٥٩) وابنُ حبان في " صحيحه " (رقم: ٦٢) وإسناده صحيح. وقال العلائي: في " جامع التحصيل " (ص: ٥١): " حسن "، قال: " وفي كلام إسحاق بن راهويه ما يقتضي تصحيحه ". (٢) أخرجه مسلم في " مُقدمة صحيحه " (١/ ١٥) والترمذي في (العلل) من " الجامع " (٦/ ٢٣٢) وابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (١/ ١ / ١٦) والرَّامهرمزي في " المحدث الفاصل " (ص: ٢٠٩) وابن حبان في " المجروحين " (١/ ٢٦) والحاكم في " معرفة علوم الحديث " (ص: ٦) والخطيب في " تاريخه " (٦/ ١٦٥) و" الكفاية " (ص: ٥٥٨) و" الجامع لأخلاق الراوي " (رقم: ١٦٤٣)، و" شَرف أصحاب الحديث " (رقم: ٧٧، ٧٨) جَميعاَ عن ابن المبارك، وإسناده صحيح. ورُوي عن ابن المبارك بلفظ: " طلب الإسناد المتصل من الدين " أخرجه الخطيب في " الكفاية " (ص: ٥٥٧) وإسناده ضعيف. (٣) أخرجه الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي " (رقم: ١٣٠١) وإسناده صحيح.

1 / 24

الرواية، وصار مرجع الناس إليها، وبقى اعتبار صحة تلك الكتب إلى من نسبت إليه. قال ابن الصلاح: " إن الرواية بالأسانيد المتصلة ليس المقصود بها في عصرنا وكثير من الأعصار قبله إثبات ما يروى بها، إذ لا يخلو إسناد منها عن شيخ لا يدري ما يرويه ولا يضبط ما في كتابه ضبطًا يصلح لأن يعتمد عليه في ثبوته، وإنما المقصود منها إبقاء سلسلة الإسناد، والتي خصت بها هذه الأمة (١). قلت: خصت الأمة بالإسناد، وقد تحقق ذلك، والحمد لله، لا ببقائه للتبرك المحض، حتى صارت طوائف تحتفظ بدفاتر فيها أسماء كتب من الأصول الكبار في الحديث وغيرها، قد أجيز أحدهم بها من شخص ما، فصاحب الدَّفتر يجيزها لمن شاء، وهو في الواقع لم يجز، ولا يجيز، إلا عناوين لتلك الكتب، ما سمعها ولا سمعت منه، ولا قرأها ولا قرئَت عليه، ولو بحثت كاشفًا عن بعض رجال إسناده لتعسر عليك ولم تصل إلى كشفهم، ثم يريد هذا أن يرفع بذلك رأسًا، وكأن لسان أحدهم يقول: انقطعت سلسلة الاتصال بالنبي ﷺ إلا من طريقي. فليس في الأمة حاجة إلى هذه الأسانيد، وحتى لو كان لها بعض اعتبار يوم ابن الصلاح، فإنه اليوم قد زال، حيث صار منتهى الناس إلى صحة الوجادات من كتب السنة، واصطلاح (الحديث المسند) عند أهل الحديث، قال الخطيب: " يريدون أن إسناده متصلٌ بين راويه وبين من أسْند عنه، إلا أن أكثر استعمالهم هذه العبارة هو فيما أسند عن النبي ﷺ واتصال الإسناد فيه أن يكون كل واحد من رواته سمعه ممن فوقه حتى ينتهى ذلك إلى آخره، وإن لم يبين فيه السماع بل اقتصر على العنعنة " (٢).

(١) صيانة صَحيح مُسلم، لابنِ الصلاح (ص: ١١٥). (٢) الكفاية (ص: ٥٨).

1 / 25