کتاب الطهاره

مرتضی انصاري d. 1281 AH
86

من يقصد مجرد الرفعة والتقرب عنده فلا شئ أحب إليه منه وهذا أول مراتب الطالبين بإطاعتهم تحصيل الفوايد لأنفسهم ودونه من يطلب بطاعته التقصي عن البعد من الله وهاتان الفائدتان حاصلتان من الإغماض عن الجزاء ودونهما من يطلب ما يبذل على العمل ودونه من يقصد بها التقرب لدخول الجنة لان في تركها البعد الموجب لدخول النار وحيث إن التقرب في الصورتين الأخيرتين غير مقصود لذاته بل لأجل التوصل إلى الملاذ النفسانية أو دفع المنافرات قيل بعدم صحة العبادة فيهما قال في القواعد إما نية الثواب والعقاب فقد قطع أكثر الأصحاب بفساد العبادة بقصدهما وعن أجوبة المسايل المهنائية للعلامة قده اتفقت العدلية على أن من فعل فعلا لطلب الثواب أو لخوف العقاب لا يستحق بذلك ثواب والأصل في ذلك أن من فعل فعلا ليجلب نفعا أو يدفع به ضررا فإنه لا يستحق المدح على ذلك والآتيان المذكورتان في السؤال أعني قوله تعالى لمثل هذا فليعمل العاملون وقوله تعالى وفى ذلك فليتنافس المتنافسون لا دلالة فيهما على كون غرضهم لفعله مثل ذلك انتهى وعن الرازي في تفسيره الكبير اتفاق المتكلمين على عدم صحة هذه العبادة وما أبعد ما بين هذا القول وتفسير ابن زهرة للقربة بأنها طلب المنزلة الرفيعة عند غسل ثوبه و عن الحلبي من أنه يستحب للمصلى ان يرجو بفعلها مزيد الثواب والنجاة من العقاب وكيف كان فهو ضعيف ولذا نسبه في الذكرى إلى توهم قوم لان القدر الثابت من أدلة وجوب الإطاعة والعبادة هو ان يكون الفعل لأجل أمر الله سبحانه واما ايجاب الفعل بهذا الداعي فربما يكن لداع اخر فإنه لا يشترط في صدق الإطاعة ان لا يكون الغرض منها شيئا اخر ويشهد له صدق المطيع على الخدام والعبيد القائمين بالخدمة ولا دليل على اعتبار أزيد من ذلك ثم المدح على هذا النحو من الإطاعة ثابت إذا قيس هذا الشخص إلى من لا يعتنى بثواب الله ولا يبالي بعقابه لضعف اعتقاده بهما أو لغلبة شهوته على عقله القاطع بوجوب تحمل الكلفة العاجلة لدفع المضرة العظيمة وإن كانت أجلة فضلا عما لو كان في تلك الكلفة مع ذلك منفعة عظيمة أجلة فالانصاف ان من يطيع لرجاء الثواب أو لخوف العقاب أو لهما معا يحصل له من جهة رجائه وخوفه منزلة عند الله يكون إليها معراج الراجين و الخايفين فقد تحقق من الشخص المفروض عنوان الإطاعة وحصل له التقرب وان لم يكن التقرب مقصودا له بالذات لما عرفت من أن نفس العمل راجيا أو خائفا متقرب وإن كان الداعي إلى فعله هو الخوف فالعامل لأجل الخوف مستحق للثواب لقربه وان لم يقصد لعلمه حصول الثواب فان من عظيم السلطان خوفا يستحق ما يستحقه الطامعون وليس هذا الا لاستحقاقه المدح ولذا مدح الله الراجين والخايفين فما ذكره العلامة في أجوبة المسائل من أن هذا الشخص لا يسمى جواد أحق الا انه يوصف بحسن اليقين وكونه مطمئنا بما وعد الله خائفا مما أو عده غير مغرور بملاذ الدنيا ولا ريب في استحقاق هذا الشخص للمدح والثواب نعم من خاف ولم يرد بعلمه دفع الخوف ولم يرد بعلمه جلب المرجو بل عمل لله ورجى الدفع والجلب من تفضله لا مجازاته كان أعلى مرتبة من ذلك ولا ينبغي دعواها الا لمن ادعاها بقوله صلوات الله عليه ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك والمراد انى وان كنت طامعا خائفا لكن لا أريد بعبادتي اجلب المرجو ولا دفع المخوف هذا كله مضافا إلى الآيات والأخبار الواردة في بيان ثواب الطاعات وعقاب العاصي والامر بتحصيل ثواب الله ودفع العقاب مضافا إلى ما دل على أن العبادة على ثلاثة عبادة الاجراء وعبادة العبيد وعبادة الأحرار وهي أفضل فان التفضيل يدل على صحة الأولين وملخص الكلام ان الثابت من أدلة وجوب التعبد فيما ثبت كونها عبادة هو لزوم صدق الإطاعة أو حصول غرض الشارع من الامر بهذه العبادات وهو المقرب والأول مستلزم للثاني لما ذكرنا من أن المطيع يحصل له بترجيح داعي الامر على الهوى والاعتناء بوعد الشارع ووعيده قرب فيكفي تحقق الثاني وان لم يصدق الأول كما فيمن يفعل الفعل لأجل المصلحة الكافية الداعية إلى ايجاب الشارع له إذا كانت مما يتعلق بأمر الآخرة لان مرجعه حينئذ إلى حصول القرب به وان لم يصدق هنا الإطاعة الا ان الغرض منها حاصل نعم المصلحة الموجودة فيه من قبيل الخواص الراجعة إلى الأمور الدنيوية كان علم بالتجربة ان صلاة الليل يدر الرزق مع قطع النظر عن أمر الشارع لم يصح العمل بها فعله لذلك نعم لو ترتب ذلك الامر الدنيوي على إطاعة الله عز وجل في مثل صلاة الحاجات التي توصل بطاعة الله إليها وليس المقصود هي الحاجات نفسها بل لو قصد الثواب على هذا الوجه أيضا وكان الداعي فعل العبادات مجرد الثواب لا لأنه أمر به المولى كان العمل فاسدا ولعله مراد من ذكر بطلان العبادة بقصدهما قال في محكى النهاية في باب الصلاة ويجب ايقاع الواجب لوجوبه والمندوب لندبه أو لوجههما لا للرياء وطلب الثواب وغيرهما انتهى فيحتمل موافقه من تقدم إليهم الإشارة وما ذكرنا من إرادة الثواب يعنى مطلق العوض من الله لا من حيث الإطاعة كالأجير على العمل فان الفرق بينه وبين الخادم الذي يخدم لأجل انتظام معاشه واضح فان الأول يطلب العوض بإزاء العمل والثاني بإزاء الإطاعة ويحتمل ان يريد من الثواب العوض العايد عليه عن المخلوقين من حيث كونه في اعتقادهم من أهل الصلاة الذين أمر الله بصلتهم والاحسان إليهم فيكون تفسيرا للرياء ثم إن ظاهر قوله قده لوجوبه أو لوجهه إرادة الغاية الأصلية التي هي القربة ولذا احترز بها عن الرياء و طلب الثواب ففيه تأييد لما قدمنا في الوجوب الغائي من كونه بالمعنى الشرعي راجعا إلى قصد القربة ولما ذكرنا من أنه يكفي عن قصد الامر قصد الوجه الموجب لايجاب الشارع وهل تجب في الوضوء المبيح للصلاة لا مطلق الوضوء لعدم اعتبارهما فيه اتفاقا كما ستظهر مع ما ذكر من الوجه والقربة

مخ ۸۶