التوحيد يمنعه فيعرف بطلانه بنظر في صفة المبدأ، ولا يجوز أن يقال إنه سماء واحد أو جسم واحد أو شمس أو غيره لأنه جسم والجسم مركب من الصورة والهيولى، والمبدأ الأول لا يجوز أن يكون مركبًا، وذلك يعرف بنظر ثان. والمقصود أن موجودًا لا علة لوجوده ثابت بالضرورة والاتفاق. وإنما الخلاف في الصفات وهو الذي نعنيه بالمبدأ الأول.
قولنا الأجسام تكون لا علة لها
والجواب من وجهين: أحدهما أنه يلزم على مساق مذهبكم أن تكون أجسام العالم قديمة، كذلك لا علة لها. وقولكم: إن بطلان ذلك يعلم بنظر ثان فسيبطل ذلك عليكم في مسألة التوحيد وفي نفي الصفات بعد هذه المسألة.
تلك العلل تكون إلى غير نهاية
الثاني وهو الخاص بهذه المسألة هو أن يقال: ثبت تقديرًا أن هذه الموجودات لها علة ولكن لعلتها علة ولعلة العلة علة، كذلك وهكذى إلى غير نهاية.
وتقولون إنها حوادث هكذا
وقولكم: إنه يستحيل إثبات علل لا نهاية لها، لا يستقيم منكم، فإنا نقول: عرفتم ذلك ضرورة بغير وسط أو عرفتموه بوسط، ولا سبيل إلى دعوى الضرورة. وكل مسلك ذكرتموه في النظر بطل عليكم بتجويز حوادث لا أول لها. وإذا جاز أن يدخل في الوجود ما لا نهاية له فلم يبعد أن يكون بعضها علة للبعض، وينتهي من الطرف الأخير إلى معلول لا معلول له، ولا ينتهي من الجانب الآخر إلى علة لا علة لها، كما أن الزمان السابق له آخر وهو الآن الراهن ولا أول له.
حتى الموجودة معًا، كالنفوس البشرية
فإن زعمتم أن الحوادث الماضية ليست موجودة معًا في الحال ولا في بعض الأحوال والمعدوم لا يوصف بالتناهي وعدم التناهي، فيلزمكم النفوس البشرية المفارقة للأبدان فإنها لا تفنى عندكم، والموجود المفارق للبدن من النفوس لا نهاية لأعدادها، إذ لم تزل نطفة من إنسان وإنسان من
1 / 156