بالعدم. فالوجود الذي ليس مسبوقًا بعدم بل هو دائم لا يصلح لأن يكون فعل الفاعل، وليس كل ما يشترط في كون الفعل فعلًا ينبغي أن يكون بفعل الفاعل، فإن ذات الفاعل وقدرته وإرادته وعلمه شرط في كونه وليس ذلك من أثر الفعل ولكن لا يعقل فعل إلا من موجود، فكان وجود الفاعل شرطًا وإرادته وقدرته وعلمه ليكون فاعلًا وإن لم يكن من أثر الفاعل.
الفعل مع الفاعل كالماء مع اليد في تحريك الماء
فإن قيل: إن اعترفتم بجواز كون الفعل مع الفاعل غير متأخر عنه، فيلزم أن يكون الفعل حادثًا إن كان الفاعل حادثًا، وقديمًا إن كان قديمًا. وإن شرطتم أن يتأخر الفعل عن الفاعل بالزمان، فهذا محال إذ من حرك اليد في قدح ماء تحرك الماء مع حركة اليد لا قبله ولا بعده، إذ لو تحرك بعده لكان اليد مع الماء قبل تنحيه في حيز واحد، ولو، تحرك قبله لانفصل الماء عن اليد، وهو مع كونه معه معلوله وفعل من جهته. فإن فرضنا اليد قديمة في الماء متحركة كانت حركة الماء أيضًا دائمة وهي مع دوامها معلولة ومفعولة. ولا يمتنع ذلك بفرض الدوام، فكذلك نسبة العالم إلى الله.
قولنا يكون الفعل حادثًا؟! وليس الكلام عن المعلول
قلنا: لا نحيل أن يكون الفعل مع الفاعل بعد كون الفعل حادثًا، كحركة الماء فإنها حادثة عن عدم، فجاز أن يكون فعلًا ثم سواء كان متأخرًا عن ذات الفاعل أو مقارنًا له. وإنما نحيل الفعل القديم فإن ما ليس حادثًا عن عدم فتسميته فعلًا مجاز مجرد لا حقيقة له. وأما المعلول مع العلة فيجوز أن يكونا حادثين وأن يكونا قديمين، كما يقال: إن العلم القديم علة لكون القديم عالمًا، ولا كلام فيه وإنما الكلام فيما يسمى فعلًا، ومعلول العلة لا يسمى فعل العلة إلا مجازًا، بل ما يسمى فعلًا فشرطه أن يكون حادثًا عن عدم، فإن تجوز متجوز بتسمية القديم الدائم الوجود فعلًا لغيره كان متجوزًا في الاستعارة.
الحركة دائمة الحدوث
وقولكم: لو قدرنا حركة الإصبع مع الإصبع قديمًا دائمًا لم يخرج حركة الماء عن كونه فعلًا، تلبيس، لأن الإصبع لا فعل له وإنما الفاعل ذو الإصبع وهو المريد، ولو قدر قديمًا لكانت حركة الإصبع فعلًا له من حيث أن كل جزء من الحركة فحادث عن عدم، فبهذا
1 / 141