إلا العلم بالإمكان. فالإمكان معلوم وهو غير العلم، بل العلم يحيط به ويتبعه ويتعلق به على ما هو، والعلم لو قدر عدمه لم ينعدم المعلوم. والمعلوم إذا قدر انتفاؤه انتفى العلم. فالعلم والمعلوم أمران اثنان أحدهما تابع والآخر متبوع. ولو قدرنا إعراض العقلاء عن تقدير الإمكان وغفلتهم عنه لكنا نقول: لا يرتفع الإمكان بل الممكنات في أنفسها، ولكن العقول غفلت عنها أو عدمت العقول والعقلاء. فيبقى الإمكان لا محالة.
للامتناع موضوع ..
وأما الأمور الثلاثة فلا حجة فيها، فإن الامتناع أيضًا وصف إضافي يستدعي موجودًا يضاف إليه. ومعنى الممتنع الجمع بين الضدين، فإذا كان المحل أبيض كان ممتنعًا عليه أن يسود مع وجود البياض، فلا بد من موضوع يشار إليه موصوف بصفة. فعند ذلك يقال: ضده ممتنع عليه، فيكون الامتناع وصفًا إضافيًا قائمًا بموضوع مضافًا إليه. وأما الوجوب فلا يخفى أنه مضاف إلى الوجود الواجب.
ولإمكان السواد موضوع
وأما الثاني، وهو كون السواد في نفسه ممكنًا، فغلط. فإنه إن أخذ مجردًا دون محل يحله كان ممتنعًا لا ممكنًا، وإنما يصير ممكنًا إذا قدر هيئة في جسم. فالجسم مهيأ لتبدل هيئة، والتبدل ممكن على الجسم، وإلا فليس للسواد نفس مفردة حتى يوصف بإمكان.
ولإمكان النفوس موضوع
وأما الثالث، وهو النفس، فهي قديمة عند فريق ولكن ممكن لها التعلق بالأبدان، فلا يلزم على هذا. ومن سلم حدوثه فقد اعتقد فريق منهم أنه منطبع في المادة تابع للمزاج، على ما دل عليه كلام جالينوس في بعض المواضع، فتكون في مادة وإمكانها مضاف إلى مادتها. وعلى مذهب من سلم أنها حادثة وليست منطبعة، فمعناه أن المادة ممكن لها أن يدبرها نفس ناطقة، فيكون الإمكان السابق على الحدوث مضافًا إلى المادة، فإنها وإن لم تنطبع فيها فلها علاقة معها إذ هي المدبرة والمستعملة لها، فيكون الإمكان راجعًا إليها بهذا الطريق.
الجواب
الإمكان هو قضاء العقل، كما يصرح بأن الكليات موجودة
والجواب أن رد الإمكان والوجوب والامتناع إلى قضايا عقلية صحيح، وما ذكر بأن معنى قضاء العقل علم والعلم يستدعي معلومًا. فنقول له:
1 / 121